صفحة رقم ٢٥٧
المستلزم لأنهم بخضوعهم لها في غاية السفه :( أموات ( ولما كان الوصف قد يطلق علىغير الملتبس به مجازاً عن عدم نفعه بضده وإن كان قائماً به عريقاً فيه قال :( غير أحياء ( مبيناً أن المراد بذلك حقيقة سلب الحياة على ضد ما عليه الله ) ألا له الخلق ( من كونه حياً لا يموت، ولعله اقتصر على وصفهم - مع أنهم موات - بأنهم أموات لأن ذلك مع كونه كافياً في المقصود من السياق - وهو إبعادهم عن الإلهية - يكون صالحاً لكل مخلوق ادعى فيه الإلهية وإن اتصف بالحياة، لأن حياته زائلة يعقبها الموت، ومن كان كذلك كان بعيداً عن صفة الإلهية.
ولما كانوا - مع علمهم بأن الأصنام حجارة لا حياة لها - يخاطبون من أجوافها بألسنة الشياطين - كما هو مذكور في السير وغيرها من الكتب المصنفة في هواتف الجان، فصاروا يظنون أن لها علماً بهذا الاعتبار، ولذلك كانوا يظنون أنها تضر وتنفع، احتيج إلى نفي العلم عنها، ولما كانوا يخبرون على ألسنتها ببعض ما يسترقونه من السمع، فيكون كما أخبروا، لم ينف عنها مطلق العلم، بل نفي ما لا علم لأحد غيرالله به، لأنهم لا يخبرون عنه بخبر إلا بان كذبه، فقال تعالى عادّاً للبعث عداد المتفق عليه :( وما يشعرون ) أي في هذا الحال كما هو مدلول ما ) أيان ) أي أيّ حين ) يبعثون ( فنفى عنهم مطلق الشعور الذي هو أعم من العلم، فينتفي كل ما هو أخص منه.
النحل :( ٢٢ - ٢٤ ) إلهكم إله واحد.....
) إِلهُكُمْ إِلهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ لاَ جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَّاذَآ أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ ( ( )
ولما كانت أدلة البعث قد ثبت قيامها، واتضحت أعلامها، وعلا منارها، وانتشرت أنوارها، ساق ما لا خلاف إلا في العلم بوقته مع الاتفاق على أصله، لأنه من لوازم التكليف، ولما اتضح بذلك كله عجز شركائهم، أشار إلى أن منشأ العجز قبول التعدد، إرشاداً إلى برهان التمانع، فقال على طريق الاستئناف لأنه نتيجة ما مضى قطعاً :( إلهكم ) أي أيها الخلق كلكم، المعبود بحف ) إله ) أي متصف بالإلهية على الإطلاق بالنسبة إلى كل أحد وكل زمان وكل مكان ) واحد ( لا يقبل التعدد - الذي هو مثار النقص - بوجه من الوجوه، لأن التعدد يستلزم إمكان التمانع المستلزم للعجز المستلزم للبعد عن رتبة الإلهية ) فالذين ) أي فتسبب عن هذا أن الذين ) لا يؤمنون بالآخرة ) أي دار الجزاء ومحل إظهار الحكم الذي هو ثمرة الملك والعدل الذي هو مدار العظمة ) قلوبهم منكرة ) أي جاهلة بأنه واحد، لما لها من القسوة لا لاشتباه الأمر - لما تقدم في هود من أن مادة ( نكر ) تدور على القوة وهي تستلزم الصلابة


الصفحة التالية
Icon