صفحة رقم ٢٦٠
ناساً مخصوصين لم يستغرقوا زمان القبل، أدخل فقال تعالى :( من قبلهم ( ممن رأوا آثارهم ودخلوا ديارهم ) فأتى الله ) أي بمت له من مجامع العظمة ) بنيانهم ) أي إتيان بأس وانتقام ) من القواعد ( التي بنوا عليها مكرهم ) فخر ) أي سقط مع صوت عظيم لهدته ) عليهم السقف (.
ولما كانت العرب تقول : خر علينا ووقع علينا حائط - إذا كان يملكه وإن لم يكن وقع عليه كما نقله أبو حيان عن ابن الأعرابي، قال تعالى صرفاً عن هذا إلى حقيقة السقوط المقيد بالجار :( من قولهم ( وكانوا تحته فهلكوا كما هو شأن البنيان إذا زالت قواعده.
ولما كان المكر هو الضر في خفية، لأنه القتل بالحيلة إلى جهة منكرة، بين أن ما حصل لهم من العذاب هو من باب ما فعلوا بقوله :( وأتاهم العذاب ) أي الذي اتفقت كلمة الرسل على الوعيد به لمن أبى ) من حيث لا يشعرون ( لأن السبب الذي أعدوه لنصرهم كان بعينه سبب قهرهم، وهذا على سبيل التمثيل، وقيل : إنه على الحقيقة فيما بناه نمرود من الصرح.
ذكر قصته من التوراة
: قال في السفر الأول منها في تعداد أولاد نوح عليه السلام : وكوش - يعني ابن حام بن نوح - ولد نمرود، وكان أول جبار في الأرض، وهو كان مخوفاً ذا صيد بين يدي الرب، ولذلك يقال : هذا مثل نمرود الجبار القناص، فكان مبدأ ملكه بابل والكوش والأهوز والكوفة التي بأرض شنعار، ومن تلك الأرض خرج الموصلي فابتنى نينوى ورحبوت القرية - وفي نسخة : قرية الرحبة - والإيلة والمدائن ؛ ثم قال بعد أن عد أحفاد نوح عليه السلام وممالكهم : هؤلاء قبائل بني نوح وأولادهم وخلوفهم وشعوبهم، ومن هؤلاء تفرقت الشعوب في الأرض بعد الطوفان، وإن أهل الأرض كلهم كانت لغتهم واحدة، ومنطقهم واحداً، فلما ظعنوا في المشرق انتهوا إلى قاع في أرض شنعار - وفي نسخة : العراق - فسكنوه، فقال كل امرئ منهم لصاحبه : هلم بنا نلبن اللبن ونحرقه بالنار، فيصير اللبن مثل الجص بدل الطين للملاط، ثم قال : هلموا نبن لنا قرية نتخذها، وصرحاً مشيداً لاحقاً بالسماء، ونخلف لنا شيئاً نذكر به، لعلنا ألا نتفرق على الأرض كلها، فنظر الرب القرية والصرح الذي يبينه الناس، فقال الرب : إني أرى هذا الشعب رأيهم واحد ولغتهم واحدة وقد هموا أن يصنعوا هذا الصنيع فهم الآن غير مقصرين فيما هموا أن يفعلوه، فلأورد أمراً أشتت به لغتهم حتى لا


الصفحة التالية
Icon