صفحة رقم ٢٧٨
هي نتيجة الرهبة :( أفغير الله ) أي الذي له العظمة كلها ) تتقون ( وأتبع ذلك ما يوجب تعظيم الإنكار عليهم، فقال مبيناً أنه لا ينبغي أن يتعلق خوف ولا رجاء إلا به :( وما بكم ) أي التبس بكم أيها الناس عامة مؤمنكم وكافركم ) من نعمة ) أي جليلة أو حقيرة ) فمن الله ) أي المحيط بكل شيء وحده لا من غيره.
ولما كان إخلاصهم له - مع ادعائهم ألوهية غيره - أمراً مستبعداً، عبر بأداة التراخي والبعد في قوله تعالى :( ثم إذا مسكم ) أي أدنى مس ) الضر ( بزوال نعمة مما أنعم به عليكم ) فإليه ) أي وحده ) تجأرون ) أي تعرفون أصواتكم لما ركز في فطركم الأولية السليمة من أنه لا ملجأ ولا منجى منه إلا إليه.
النحل :( ٥٤ - ٥٨ ) ثم إذا كشف.....
) ثُمَّ إِذَا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِّنْكُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُواْ بِمَآ آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُواْ فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ وَيَجْعَلُونَ لِمَا لاَ يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِّمّا رَزَقْنَاهُمْ تَاللَّهِ لَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَنَاتِ سُبْحَانَهُ وَلَهُمْ مَّا يَشْتَهُونَ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ ( ( )
ولما كان الرجوع إلى الإشراك بعد الإخلاص مستبعداً أيضاً لا ستهجانهم سرعة الاستحالة، قال تعالى :( ثم إذا كشف ( سبحانه عما تشركون ) الضر ) أي الذي مسكم ) عنكم ( ونبه على مسارعة الإنسان في الكفران فقال تعالى :( إذا فريق ) أي جماعة هم أهل فرقة وضلال ) منكم ( أيها العباد ) بربهم ( الذي تفرد بالإنعام عليهم ) يشركون ) أي يوقعون الإشراك به بعبادة غيره تغيراً منهم عما كانوا عليه عند الاستغاثة به في الشدة، فكان منطبقاً عليهم ما ضربوا المثل بكراهته بقولهم :
وإذا تكون كريهة أُدعى لها وإذا يحاس الحيس يدعى جندب
وهذا أجهل الجهل.
ولما كان هذا ملزوماً بجحد النعمة، وكان من شأن العاقل البصير بالأمور - كما يدعونه لأنفسهم - أن يغفل عن شيء من لوازم ما يقدم عليه، قال :( ليكفروا ) أي يوقعوا التغطية لأدلة التوحيد التي دلتهم عليها غرائز عقولهم ) بما ءاتينهم ) أي من النعمة، تنبيهاً على أنهم ما أقدموا على ذلك الشرك إلا لهذا الغرض إحلالاً لهم محل العقلاء البصراء الذين يزعمون أنهم أعلامهم، ورفعاً لهم عن أحوال من يقدم على ما لا


الصفحة التالية
Icon