صفحة رقم ٢٧٩
يعلم عاقبته، ولا خزي أعظم من هذا، لأنه أنتج أن الجنون خير من عقل يكون هذا مآله، فهو من باب التهكم ) فتمتعوا ) أي فتسبب عن هذا أن يُقبل على هذا الفريق إقبال عالم قادر عليه قائلاً : تمتعوا ) فسوف ) أي فإن تمتعكم على هذا الحال سبب لأن يقال لكم تهديداً : سوف ) تعلمون ( غب تمتعكمن فهو إقبال الغضب والتهديد بسوء المنقلب، وحذف المتهدد به وأبلغ وأهول لذهاب النفس في تعيينه كل مذهب.
ولما هددهم بإشراكهم المستلزم لكفر النعمة، أتبعه عجباً آخر من أمرهم فقال عاطفاً على قوله تعالى ) وأقسموا بالله جهد أيمانهم ( :( ويجعلون ) أي على سبيل التكرير ) لما لا يعلمون ( مما يعبدونه من الأصنام وغيرها لكونه في حيز العدم نفسه وعدماً محضاً بما وصفوه به كما قال تعالى
٧٧ ( ) أم تنبئونه بما لا يعلم ( ) ٧
[ الرعد : ٣٣ ] ) نصيباً مما رزقناهم ( بما لنا من العظمة، من الحرث والأنعام وغير ذلكن تقرباً إليها كما مضى شرحه في الأنعام، ولك أن تعطفه - وهو أقرب - على ) يشركون ( فيكون داخلاً في حيز ( إذا ) أي فاجأوا مقابلة نعمته في الإنجاء بالإشراك والتقرب برزقه إلى ما الجهل به خير من العلم به، لأنه عدم لأنه لاقدرة له ولا نغع من الغضب فقال تعالى :( تالله ) أي الملك الأعظم ) لتسئلن ( يوم الجمع ) عما كنتم ) أي كوناً هو في جبلاتكم ) تفترون ) أي تتعمدون في الدنيا من هذا الكذب، سؤال توبيخ، وهو الذي لا جواب لصاحبه إلا بما فيه فضيحته.
ولما بين سفههم في صرفهم مما آتاهم إلى ما هو في عداد العدم الذي لا يعلم، بين لهم سفهاً هو أعظم مكن ذلك بجعلهم لمالك الملك وملكه أحقر ما يعدونه مما أوجده لهم، لا فتقارهم إليه وغناه عنه على وجه التوالد المستحيل عليه مع كراهته لأنفسهم، فصار ذلك أعجب العجب، فقال تعالى :( يجعلون الله ) أي الذي لا معلوم على الحقيقة سواه لاستجماعه لصفات الجلال والإكرام.
ولما كان المراد تقريعهم، وكانت الأنوثة ربما أطلقت على كرائم الأشجار، نص على المراد بقوله :( البنات ( فلا أعجب منهم حيث يجعلون الوجود للمعدوم المجهول، ويجعلون العدم للموجود المعلوم ؛ ثم نزه نفسه عن ذلك معجباً من وقوعه من عاقل بقوله تعالى :( سبحانه (.
ولما ذكر ما جعلوا له مع الغنى المطلق، بين ما نسبوا لأنفسهم مع لزوم الحاجة والضعف فقال :( ولهم ما يشتهون ( من البنين، وذلك في جملة اسمية مدلولها الثبات، ليكون منادياً عليهم بالفضيحة، لأنهم لا يبقون لأبنائهم ولا يبقى أبناؤهم لهم، وقد يكونون أعدى أعدائهم ؛ ثم بين حالهم إذا حصل لهم نوع ما جعلوه له سبحانه فقال