صفحة رقم ٢٩٤
الكمال التي منها اختصاصه بالشكر، لكونه هو المنعم وليس لغيره إحاطة بشيء من ذلك ولا غيره، فكأنهم قالوا : نحن نعلم ذلك، فقيل :( بل أكثرهم ) أي في الظاهر والباطن - بما أشار إليه الإضمار ) لا يعلمون ( لكونهم يسوون به غيره، ومن نفى عنه العلم - الذي هو أعلى صفات الكمال - كان في عداد الأنعام، فهم لذلك يشبهون به ما ذكر، ويضربون الأمثال الباطلة، ويضيفون نعمة إلى ما لا يعد، ولعله أتى بضمير الغيبة لقصر ذلك على من ختم بموته على الضلال، أو يقال وهو أرشق : لما كان الجواب قطعاً : لا يستووت والفاضل مثالك، فقد علم كل ذي لب أن لك المثل الأعلى، فترجم عن وصفه بقوله ( الحمد لله ) أي الإحاطة بصفات الكمال للملك الأعظم، وعن نسبتهم إلى علم ذلك بقوله تعالى ) بل أكثرهم لا يعلمون ) أي ليس لهم علم بشيء أصلاً، لأنهم يعلمون في هذا بالجهل، فنسبتهم إلى الغباوة أحسن في حقهم من نسسبتهم إلى الضلال على علم، وسيأتي في سورة لقمان إن شاء الله تعالى ما يكون نافعاً في هذا المقام، وإنما فسرت الحمد بما تقدم لأنه قد مضى في سورة الفاتحة أن مادة ( حمد ) تدورعلى بلوغ الغاية، ويلزم منه الاتساع والإحاطة والاستدارة، فيلزمها مطأطأة الرأس وقد يلزم الغاية الرضى فيلزمه الشكر، وبيانه أن الحمد بمعنى الرضا والشكر لأنهما يكونان غالباً من غاية الإحسان، ويرجع إلى ذلك الحمد بمعنى الجزاء وقضاء الحق، وحماداك - بالضم، أي غايتك، ويوم محتمد : شديد الحر، وحمد النار - محركة : صوت التهابها، وأما يتحمد عليّ - بمعنى يمتن - فأصله : يذكر ما يلزم منه حمده، ومنه المدح : وهو حسن الثناء، وتمدح بمعنى تكلف أن يمدح وافتخر وتشبع بما ليس عنده، فإنه في كل ذلك جهده، ودحمه - كمنع : دفعه شديداً، والمرأة : نكحها - لما في ذلك من بلوغ الغاية في الشهوة وما يلزمها من الدفع ونحوه، والدحم - بالكسر : الأصل - لأنه غاية الشيء الذي ينتهي إليه، وحدم النار - ويحرك : شدة احتراقها وحميها، واحتدم الدم : اشتدت حمرته حتى يسود، والحدمة - محركة : النار - لأنها غاية الحر، والحدمة أيضاً : صوتها - لدلالته على قوة التهابها، ومن ذلك الحدمة أيضاً لصوت جوف الحية، أو صوت في الجوف كأنه تغيظ - لأنه يدل على غاية التهاب الباطن، والحدمة - كفرحة : السريعة الغلي من القدور ؛ ومن الاتساع : تمدحت الأرض أي اتسعت ؛ ومن الاستدارة : الداحوم لحبالة الثعلب - لأنها بلغت الغاية من مراد الصائد، ولأنه لما لم يقدر على الخلاص منها كانت كأنها قد أحاطت به، والمحمح : المستدير الململم، ودمح تدميحاً : طأطأ رأسه - لأن الانعطاف مبدأ الاستدارة - والله سبحانه وتعالى الموفق.
ولما انقضى هذا المثل كافياً في المراد، ملزماً لهم لاعترافهم بأن الأصنام عبيد الله