صفحة رقم ٢٩٥
في قولهم ( لبيك اللهم لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك، تملكه وما ملك، وكان ربما كابر مكابر فقال : إنهم ليسوا ملكاً له، أتبعه مثلاً آخر لا تمكن المكابرة فيه، فقال تعالى :( وضرب الله ) أي الذي له الإحاطة الكاملة أيضاً ) مثلاً ( ثم أبدل منه ) رجلين ( ثم استأنف البيان لما أجمل فقال تعالى :( أحدهما أبكم ) أي ولد أخرس ؛ ثم ترجم بكمته التي أريد بها أنه لا يَفهم بقوله :( لا يقدر على شيء ) أي أصلاً ) وهو كل ) أي ثقل وعيال، والأصل فيه الغلظ الذي يمنع من النفوذ، كلت السكين كلولاً - إذا غلظت شفرتها فلم تقطع، وكل لسانه - إذا لم ينبعث في القول، لغلظه وذهاب حده - قاله الرماني ) على مولاه ( الذي يلي أمره ؛ ثم بين ذلك بقوله تعالى :( أينما يوجهه ) أي يرسله ويصرفه ذلك المولى ) لا يأت بخير ( وهذا مثل شركائهم الذين هم عيال ووبال على عبدتهم.
ولما انكشف ضلالهم في تسويتهم الأنداد - الذين لا قدرة لهم على شيء ما - بالله الذي له الإحاطة بكل شيء قدرة وعلماً، حسن كل الحسن توبيخهم والإنكار عليهم بقوله تعالى :( هل يستوي هو ) أي هذا المذكور ) ومن ) أي ورجل آخر على ضد صفتهن فهو عالم فطن قوي خبير مببارك الأمر ميمون النقيبة ) يأمر ( بما له من العلم والقدرة ) بالعدل ) أي ببذل النصيحة لغيره ) وهو ( في نفسه ظاهراً وباطناً ) على صراط ) أي طريق واضح واسع ) مستقيم ) أي عامل بما يأمر به، وهذا مثال للمعبود بالحق الذي يكفي عابده جميع المؤن، وهو دال على كمال علمه وتمام قدرته.
النحل :( ٧٧ - ٧٩ ) ولله غيب السماوات.....
) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَآ أَمْرُ السَّاعَةِ إِلاَّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ الْسَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ أَلَمْ يَرَوْاْ إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَآءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللَّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( ( )
ولما تم هذان المثلان، الدالان على تمام علمه وشمول قدرته، والقاضيان بأن غيره عدم، عطف على قوله ) إن الله يعلم ( قوله مصرحاً بتمام علمه وشمول قدرته :( ولله ) أي هذاعلم الله في المشاهدات الذي علم من هذه الأدلة أنه مختص به، ولذي الجلال والإكرام وحده ) غيب السماوات والأرض ( كما أن له وحده شهادتهما، فما أراد من ذلك كانت قدرته عليه كقدرته على الشهادة من الساعة التي تنكرونها استعظاماً لها، ومن