صفحة رقم ٣١١
العالمين ( حتى أتيت على آخرها.
ومن طالع كتابي ( مصاعد النظر للإشراف على مقاصد السور ) رأى مثل هذا أحاديث جداً من أحسنها حديث نزول سورة الكوثر، وقيل : التعوذ بعد القراءة لظاهر الآية، وختام القرآن بالمعوذتين موافق لهذا القول بالنسبة إلى الحال، والقول الأول الصحيح بالنسبة إلى ما ندب إليه المرتحل من قراءة الفاتحة وأول البقرة.
ولما كان ذلك ربما هو أوهم تعظيمه، نفى ذلك بقوله جواباً لمن كأنه قال : هل له سلطان ؟ :( إنه ليس له سلطان ) أي بحيث لا يقدر المسلط عليه على الانفكاك عنه ) على الذين ءامنوا ( بتوفيق ربهم لهم ) وعلى ربهم ) أي وحده ) يتوكلون ( ويجوز أن يكون المعنى أنه لما تقرر في الأذهان أنه لا نجاة من الشيطان، لأنه سلط علينا بأنه يرانا من حيث لا نراه ويجزي فينا مجرى الدم، وكانت فائدة الاستعاذة الإعاذة، أشير إلى حصولها بقوله على سبيل التعليل ( إنه ) أي استعذ بالله يعذك منه، لأنه ليس له سلطان على الذين آمنوا بالله ليردهم كلهم عما يرضى الله، وعلى ربهم وحده يتوكلون، ثم وصل بذلك ما أفهمه من أن له سلطاناً على غيرهم فقال تعالى :( إنما سلطانه ) أي الذي يتمكن به غاية التمكن بإمكان الله له ) على الذين يتولونه ) أي تولوه وأصروا على ذلك بتجديد ولايته كل حين ) والذين هم ) أي بظواهرهم وبواطنهم ) به ) أي بالشيطان ) مشركون ( دأئماً لأنهم إذا تبعوا وساوسه، وأطاعوا أوامره فقد عبدوه فجعلوه بذلك شريكاً، فهم لا يتأملون دقائق القرآن بل ولا يفهمون ظواهره على ما هي عليه لما أعماهم به الشيطان من وساوسه، وحبسهم به عن هذه الأساليب من محابسه، فهم لا يزالون يطعنون فيه بقلوب عمية وألسنة بذية ؛ ثم عطف على هذا المقدر - الذي دل عليه الكلام - ما أنتجه تسلط الشيطان عليهم فقال تعالى :( وإذا بدلنا ) أي بعظمتنا بالنسخ ) ءاية ( سهلة كالعدة باربعة أشهر وعشر، وقتال الواحد من المسلمين لاثنين من الكفار، أو شاقّة كتحريم الخمر وإيجاب صلوات خمس، فجعلناها ) مكان ءاية ( شاقة كالعدة بحول، ومصابرة عشرة من الكفار، أوسهلة كالآيات المتضمنة لإباحة الخمر وإيجاب ركعتين أول النهار وركعتين آخره، فكانت الثانية مكان الأولى وبدلاً منها، أو يكون المعنى : نسخنا آية صعبة فجعلنا مكانها آية سهلة ؛ والتبديل : رفع الشيء مع وضع غيره


الصفحة التالية
Icon