صفحة رقم ٣٣
من دبر ) أي من جهة ما أدبر منه، وبنى ( قُدَّ ) للمجهول للنزاع في القادّ ) فكذبت ( ولما كان كذلك كذبُها في إرادته السوء لا يعين صدقه في إرادتها له، قال :( وهو من الصادقين ( لأنه لولا إدباره عنها وإقبالها عليه لما وقع ذلك، فعرف سيدها صحة ذلك بلا شبهة، لأن معنى ( إن ) هنا الشرط في جهة القرير للمعنى الذي يوجب غيره لا على الشك، وقدم أمارة صدقها لأنه مما يحبه سيدها، فهو في الظاهر اهتمام بها، وفي الحقيقة تقرير لكذبها مرتين : الأولى باللزوم، والثانية بالمطابقة.
ولما كان المعنى : فنظر، بنى عليه قوله :( فلما رءا ) أي سيدها ) قميصه ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام ) قدَّ من دبر قال ( لها وقد قطع بصدقه وكذبها، مؤكداً لأجل إنكارها ) إنه ) أي هذا القذف له ) من كيدكن ( معشر النساء ؛ والكيد : طلب الإنسان بما يكرهه ) إن كيدكن عظيم ( والعظيم : ما ينقص مقدار غيره عنه حساً أو معنى، فاستعظمه لأنه أدق من مكر الرجل وألطف وأخفى، لأن الشيطان عليهن لنقصهن أقدر، وكيدهن الذي هو من كيد الشيطان أضعفُ ضعيف بالنسبة إلى ما يربره الله عز وجل في إبطاله ؛ ثم قال العزيز آمراً له عليه السلام مسقطاً لحرف النداء دلالة على أن قربه من قلبه على حاله :( يوسف أعرض ) أي انصرف بكليتك مجاوزاً ) عن هذا ) أي اجعله بمنزلة ما تصرف وجهك عنه إلى جهة العرض بأن لا تذكره لأحد ولا تهتم به، فإني لم أتأثر منك بوجه، لأن عذرك قد بان، وأقبل إليها فقال :( واستغفري ) أي اطلبي الغفران ) لذنبك ( في أن لا يحصل لك عقوبة مني ولا من الله ؛ واستأنف بيان ما بغاية القوة، يقال : خطىء يخطأ - إذا أذنب متعمداً.
يوسف :( ٣٠ - ٣٤ ) وقال نسوة في.....
) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ فَلَمَّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَأَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَئاً وَآتَتْ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِّنْهُنَّ سِكِّيناً وَقَالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وَقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ وَقُلْنَ حَاشَ للَّهِ مَا هَذَا بَشَراً إِنْ هَذَآ إِلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ قَالَتْ فَذلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ وَلَقَدْ رَاوَدتُّهُ عَن نَّفْسِهِ فَاسَتَعْصَمَ وَلَئِن لَّمْ يَفْعَلْ مَآ آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِّن الصَّاغِرِينَ قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ فَاسْتَجَابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ( ( ) ولما كان في هذا من شرف العفة ما يدل على كمال العصمة، أكده تعالى بما يدل على تسامي حسنه وتعالى جماله ولطفه، لأن العادة جرت بأن ذلك إذا كان بعضه لأحد