صفحة رقم ٣٤٧
وأطلق لهم مالاً كثيراً، ولم يزل الأمر يجري على ذلك طول مملكة الفرس، قال : ثم عظم أمر كورش وبسط الله يده على جميع الأمم والممالك، وفتح له الحصون المنيعة وأعطاه كنوز الأرض وذخائرها، ولم يزل مقبلاً مظفراً حيثما توجه كما أخبر الله تعالى على يد أشيعا النبي عليه السلام أنه يفعل ذلك بكورش من أجل إحسانه إلى بني إسرائيل ؛ قال في سفر الأنبياء في نبوة أشيعا بن آموص : هكذا يقول الرب : أنا الذي أبطل آيات العرافين، وأصير كل تعريفهم جهلاً، وأرد الحكماء إلى خلفهم، وأعرف أعمالهم للناس، وأثبت كلمة عبيدي، وأتمم قول رسلي، لأنه قال لأورشليم : أنها تعمر، ولقرى يهوذا : إنها تبنى وتعمر خراباتها، ويقول للغور أن يخرب وتيبس أنهاره، ويقول لكورش : ارع لتتم جيمع إرادتي، وتأرم ببناء أورشليم وتقييم هياكلها، هكذا يقول الرب لمسيحه وكورش الذي أخذ بيمينه لتخضع له الشعوب ويظهر على الملوك أبداً : افتح الأبواب بين يديه، ولا تغلق الأبواب أمامه، أنا أسير قدامه، وأسهل له العسر، أكسر أبواب النحاس، وأحطم أمخال الحديد، وأعطيه الذخائر التي في الظلمات، والأشياء المطمورة المستورةن ليعلم أني أنا الرب الذي دعوته قبل مولده إله إسرائيل، من أجل عبدي يعقوب وإسرائيل صفِي دعوتك باسمك، وكنيتك من قبل أن تعرفني، أنا الرب ولا إله غيري - انتهى ما في سفر الأنبياء.
ولم يزل كورش يحسن إلى بني إسرائيل حتى مات وملك بعده ابنه تمكيشه فأنفذ ما كان صنعه أبوه من البر إلى اليهود وإطلاق الأموال الكثيرة لهم تعظيماً لبيت الله، وكان من بعده من ملوك الفرس على ذلك، ويطلقون ما كان كورش يطلقه للقرابين وغيرها، ويجلون بيت الله ويعظمونه ويتبركون به، حتى كان أحشويرش - وهو أردشير الملك - فتغيرت حال اليهود في زمانه بسبب وزير استوزره من العماليق يسمى هامان، ثم إن الله تعالى عطفه عليهم بسبب زوجة له من اليهود، ولم يزل أمرهم مستقيماً وهم تحت طاعة الفرس إلى أن ملك الإسكندر الثاني، قال ابن كثير في سورة الكهف : وهو الذي يؤرخ له من مملكة الروم، وقد كان قبل المسيح بنحو من ثلاثمائة سنة انتهى.
وهو الماقيدوني اليوناني الرومين ملك بعد قتل أبيه فليفوس، وكان عمره حين ملك عشرين سنة، وكان حكيماً عارفاً بسائر العلوم، وكان الذي علمه الحكمة أرسطاطاليس الحكيم، وكان الإسكندر يشاوره في أموره ويرجع إلى رأيه وتيدرب بتدبيره، ولم يكن يشبه أباه ولا أمه، وكان الإسكندر يشاوره موجه الأسد وعيناه مختلفتين : اليمنى سوداء تنظر إلى أسفل، واليسرى صافية اللون كعين السنور تنظر إلى فوق، وأسنانه دقيقة حادة كأسنان الكلب، وكان شجاعاً جريئاً مقداماً من صباه، فلما فتح بلاد المغرب ورجع منها قصد بلاد الشام وتوجه إلى بيت المقدس فلقيه ملاك الرب فأمره أن يعظم القدس وأهلها، ففعل ثم قصد دارا الثاني ملك


الصفحة التالية
Icon