صفحة رقم ٣٤٨
الفرس، فلما حاذى نابلس خرج إليه سنبلاط السامري صاحبها وحمل إليه أموالاً كثيرة وهدايا، ثم سار إلى دارا فقتله، ثم إلى ملك الهند فكذلك، ثم إلى مطلقع الشمس، ثم أحب أن يرى أطراف الأرض فضرب فيها، ورأى من الأمم والعجائب ما هو مذكور في سيره، ورجع فمات ببابل، ثم كان أمر اليهود تارة وتارة وهم تحت حكم اليونان الذين ملكوا بعد الإسكندر، ثم غلب الروم فكان اليهود تحت أيديهم، وكانوا يقومون ويقعدون تارة وتارة إلى أن كثرت فيهم الأحداث، وعظمت المصائب والفتن، وعم الفساد، وكثرت فيهم الخوارج، واتصل القتل والغدر والنهب والغارات، وقتلوا زكريا ويحيى وابنه عليهما السلام، وأطبقوا على إرادة قتل المسيح ابن مريم عليهما السلام، فرفعه الله تعالى إليه ثم سلط عليهم طيطوس قيصر فأهلكهم وأخرب البيت الخراب الثاني - كما سيأتي ثم لم يقم لليهود أمر إلى الآن.
فلما ثبت بكون ما توعد به سبحانه في أوقاته كما أخبر به بطشه وحلمه، فثبت قدرته وعلمه، أشار إلى أن من سبب إذلاه لمن يريد به الخير المعصية، وسبب إعزازه الطاعة، فقال تعالى :( إن أحسنتم ) أي بفعل الطاعة على حسب الأمر في الكتاب الداعي إلى العدل والإحسان ) أحسنتم لأنفسكم ( فإن ذلك يوجب كوني معكم فأكسبكم عزاً في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما ) وإن أسأتم ) أي بارتكاب المحرمات والإفساد ) فلها ( الإساءة، وذكرها باللام تنبيها على أنها أهل الزيادة النفرة لأن كل أحد يتطير من نسبتها إليه عبارة كانت، فإذا تطير مع العبارة المحبوبة فكيف يكون حاله مع غيرها.
ولما انتهزت فرصة الترغيب في الطاعة والترهيب من المعصية، عطف الوعيد الثاني بالفاء إشارة إلى أنه بعد نصر بني إسرائيل على أهل المرة الأولى، ولعها أيضاً مؤذنة بقرب مدتها من مدة الإدالة فقال تعالى :( فإذا جاء ) أي أتى إتياناً هو كالملجأ إليه قسراً على خلاف ما يريده الآتي إليه ) وعد الآخرة ) أي وقتهن فاستأهلتم البلاء لما أفسدتم وأحدثتم من البلايا التي أعظمها قتل زكريا ويحيى عليهما السلام والعزم على قتل عيسى عليه السلام ) ليسوءوا ) أي بعثنا عليكم عباداً لنا ليسوءوا ) وجوهكم ) أي يجعل آثار المساءة بادية فيها، وحذف متعلق اللام لدلالة الأول عليه ) وليدخلوا المسجد ) أي الأقصى الذي سقناكم إليه من مصر في تلك المدد الطوال وأعطيناكم بلاده بالتدريج، وجعلناه أرواح النبيين كلهم فيه وصلاته بهم ثَّمَ، وهذا تعريض بالتهديد لقريش بأنهم إن لم يرجعوا أبدل أمنهم في الحرم خوفاً وعزمهم ذلاً، فأدخل عليهم جنوداً لا قبل لهم بها، وقد فعل ذلك عام لفتح لكنه فعل إكرام لا إهانة ببركة هذا النبي الكريم صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشرف وكرم وبجل ومجد وعظم دائماً أبداً ) كما