صفحة رقم ٣٥٣
على جهات المدينة، واشتدة بينهم وبين الروم، وصدق الفريقان، وتولى طيطوس الحرب بنفسه، وأقبل يشجع أصحابه ويعدهم بالأموال والصلات، وشجع الخوارج أصحابهم ونادى شمعون : من انهزم قتل وهدم منزله.
فلما رأى طيطوس ثبات أصحاب شمعون مال إلى جهة يوحانان، ولأنها معتدلة وطيئة، وأراد أن ينطح السور الثاني، فناداه رجل اسمه قصطور من فوق السور : أسألك يا سيدي أن تشفق على هذه المدينة والأمر يجري على ما تحب، فظن طيطوس صدقه فتوقف وشرع يكلمه، وأطال المراجعة احتيالاً منه ليتمكن أصحابه من إحراق الكبش، ثم سأله أن يبعث له شخصاً من أصحابه ليتفق معه، فأرسل إليه شخصاً من وجوه الروم فقال له : اقرب حتى ألقي إليك ما لي ثم انزل، فألقى عليه صخرة فأخطأته وقتلت رجلاً كان معه، فغضب طيطوس ودرفع الكبش على السور الثاني فانهدم منه قطعة كبيرة، فاشتد أسف قصطور فقتل نفسه، وتبادر اليهود فمنعوا الروم من الدخول من الموضع الذي انثلم، وحاربوهم إلى أن أخرجوهم عن السور الأول وقتلوا جماعة منهم، واتصلت الحرب بين الفريقين أربعة أيام، وورد على طيطوس في اليوم الرابع عسكر كبير من أمم مختلفة تعينه على اليهود، فخرج اليهود على عادتهم فقاتلوهم فلم تكن لهم بهم طاقة فانهزموا ودخلوا إلى الحصن الثالث، فأمر طيطوس برفع الحرب وكف عنهم خمسة أيام، وركب في اليوم الخامس وتقدم إلى قرب السور، فوجد يوحانان وشمعون وأصحابهما قد خرجوا من المدينة ليحرقوا الكبش، فابتدأهم طيطوس بالسلام وخاطبهم بالجميل والملاطفة وقال : قد رأيتم ما جرى من هدم هذين السورين، وليس يتعذر هدم السور الثالث، وقد علمتم أنكم ما انتفعتم في هذه المدة بما فعلتموه، وكذلك لا تنتفعون أيضاً بدوامكم على ما أنتم عليه من اللجاج في مخالفتنا.
فارجعوا عن ذلك قبل أن أهدم هذا السور الباقي، وأستبيح المدينة، وأخرب الهيكل، ولست أختار ذلك ولا أريده، فإن رجعتم إلى طاعتنا كنا لكم على أفضل ما عهدتموه منا، ودامت لكم السلامة، وزال عنكم ما أنتم فيه من المكروه.
وأمر يوسف بن كريون أن يقرب منهم ويبلغ معهم الغاية في القول ويستدعيهم إلى المسالمة ويبذل لهم من الأمان والعهود ما يثقون به ويسكنون إليه، فوقف قدام باب المدينة وقال : اسمعوا مني يا معشر بني إسرائيل ما أنا مخاطبكم به، فإني إنما أخاطبكم يما ينفعكم ويعدو بصلاحكم إن قبلتموه، واعلموا أن محاربة الأعداء ومقاومتهم قد كانت تحسن بكم حين كانت بلدانكم عامرة، وعساكركم متوافرة، وأحوالكم مستقيمة، فأما بعد أن بلغتم إلى هذه الحال، من خراب البلدان وفناء الرجال، وذهاب النعم


الصفحة التالية
Icon