صفحة رقم ٣٥٤
واختلال الأحوال، فكيف تطمعون في مقاومة هذه الأمة العظيمة القوية التي قد قهرت الممالك والأمم والستولت عليهم، فعلى أيّ شيء تعتمدون ؟ فإن قلتم : إنا نعتمد على الله عزوجل ونرجوا أن ينصرنا كما جرت عادته مع آبائنا، فيجب أن علموا أنه هو الذي سلط عليكم هذه الأمة لسوء أفعالكم وكثرة ذنوبكم، لأنكم ارتكبتم المحارم، وسفكتم الدماء، ونجستم هيكل الله المقدس، قوتلتم كهنته وصلحاء أمته ظلماً، فكيف ترجون من الله النصر والمعونة مع هذه الأفعال القبيحة والله لا ينصر من عصاه، وإن كنتم تتكلون على الحصون والعدد والعساكر فأنتم تعلمون أن جميع ذلك قد ذهب أكثره، ولم يبق منه إلا القليل، وهذه المدينة قد هدم سوران من أسوارها ولم يبق غير واحدد وهم مجدون في هدمه، أنتم كل يوم في نقصان وضعف وعدوكم في زيادة وقوة، فإن دمتم على ما أنتم عليه هلكتم ولم يبق منكم باقية، فإن قلتم : إنا نختار القتل على الذل للأمم وطاعتهم، فقد علمتم أن آباءنا وأصولنا - وهم السادة الذين يجب علينا أن نقتدي بهم - لم يمتنعوا منمسالمة الأمم الذين جاوروهم ومداراتهم، ولو كان أمراً مكروهاً لقد كانوا ولى بكراهته منكم، والمتقدمون منا أطاعوا المصريين في أزمان كثيرة ملوك الموصل والكسدانيين والفرس ثم اليونانيين الذين جاروا عليهم وأساؤوا إليه وصبروا على ظلمهم لهم على أن أذن الله بخلاصهم منهم على أيدي بني حشمناي الكهنة، ( ﷺ )
١٥٤٨ ; ثم أطاعوا بعد ذلك ملوك الروم إلى هذه الغاية، ولم يروا أن عليهم نقصاً في طاعتهم، وكذلك أنتم إن أطعتموهم كان ذلك أولى بكم من أن تعرضوا أنفسكم للهلاك، ونعمتكم للزوال، وبلدكم للخراب، وتحصلوا بعد ذلك في أضعاف ما كرهتموه من الذلن ولا يعذركم في ذلك عاقل ولا يحمد رأيكم، على أن الروم ما زالوا محسنين إليكم، كفوكم أمر أعدائكم من اليونانيين، وأزالوا سلطانهم عنكم، وأعانوكم على كثير من الأمم الذين يعادونكم حتى غلبتموهم واستوليتم عليهم، فأنتم بطاعتهم أولى منكم بمعصيتهم، وقد علمتم أن الله عز وجل قد جعل لكل أمة دولة وسلطاناً سلطها فيه، فغذا انقضى ذلك الزمان زالت دولتها وسلطانها فذلت لغيرها وخضعت لمن كان يخضع لها، وقد بسط الله أيديكم زماناً، وسلطكم على غيركم دهراً، ثم جعل الدولة والسطان لسواكم، وأراد أن يذلكم لهم، فمتى خافتم مراد الله ولم تقبلوا حكمه هلكتم، وليس يشك في أن الله أراد في هذا الزمان أن يرفع الروم ويبسط أيديهم، لأنه قد أذل لهم الملوك وظفرهم بالأمم حتى أطاعهم من في سائر جهات الدنيا ممن هو أشد منكم بأساً، وأكثر عدداً، وأقوى سلطاناً، وكيف تطمعون في أن تغلبوهم وأنتم تشاهدون إقبالهم وقوة أمرهم ومعونة الله لهم، وترون أنفسكم بخلاف ذلك، وليس يعيب الإنسان


الصفحة التالية
Icon