صفحة رقم ٣٦٦
القمر ) الإنسان ) أي عند الغضب ونحوه على نفسه وعلى من يحبه، لما له من الأنس بنفسه والنسيان لما يصلحه ) بالشر ) أي ينادي ربه ويتضرع إليه بسبب إيقاع الشر به ) دعاءه ) أي مثل دعائه ) بالخير ) أي بحصول الخير له ولمن يحبه ؛ ثم نبه على الطبع الذي هو منبع ذلك، فقال تعالى :( وكان الإنسان ) أي هذا النوع بما له من قلة التدبر لاشتغاله بالنظر في عظفيته والأنس بنفسه، كوناً هو مجبول عليه ) عجولاً ) أي مبالغاً في العجلة يتسرع إلى طلب كل ما يقع في قلبه ويخطر بباله من غير أن يتأنى فيه تأني المتبصر الذي لا يريد أن يوقع شيئاً إلا في أتم مواقعه، ولذلك يستعجل العذاب لنفسه استهزاء، ولغيره استشفاء ؛ والعجلة : طلب الشيء في غير وقته الذي لا يجوز تقديمه عليه، وأما السرعة فهي عمله في أول وقته الذي هو أولى به.
الإسراء :( ١٢ - ١٦ ) وجعلنا الليل والنهار.....
) وَجَعَلْنَا الْلَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنَآ آيَةَ الْلَّيْلِ وَجَعَلْنَآ آيَةَ النَّهَارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ وَلِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ وَكُلَّ شَيْءٍ فَصَّلْنَاهُ تَفْصِيلاً وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً وَإِذَآ أَرَدْنَآ أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُواْ فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً ( ( )
ولما ثبت ما لصفته تعالى من العلو، ولصفة الإنسان من السفول تلاه بما لأفعاله تعالى من الإتقان، ذاكراً ما هو الأقوم من دلائل التوحيد والنبوة في العالمين : العلوي والسفلي، ثم ما لأفعال الإنسان من العوج جرياً مع طبعه، أو من الإحسان بتوفيق اللطيف المنان، فقال تعالى مبيناً ما منحهم به من نعم الدنيا بعد ما أنعم عليهم به من نعم الدين :( وجعلنا ) أي بما لنا من العظمة ) الّيل والنهار آيتين ( دالتين على تمام العلم وشمول القدرة، آية الليل كالآيات المتشابهة، وآية النهار كالمحكمة، فكما أن المقصود من التكليف لا يتم إلا بذكر المحكم والمتشابه فكذلك الزمان لا يتيسر الانتفاع به إلا بهاتين الآيتين ) فمحونا ) أي بعظمتنا الباهرة ) آية الّيل ( بإعدام الضياء فجعلناها لا تبصر بها المرئيات كما لا يبصر الكتاب إذا محي ) وجعلنا ) أي بعظمتنا ) ءاية النهار ( ولما كانت في غاية الضياء يبصر بها كل من له بصر، أسند الإبصار إليها مبالغة فقال :( مبصرة ) أي بالشمس التي جعلها منيرة في نفسها، فلا تزال هذه الدار الناقصة في تنقل من نور إلى ظلمة ومن ظلمة إلى نور كما للإنسان - بعجلته التي يدعو إليها طبعه وتأنيه الداعي إليه عقله - من انتقال من نقصان إلى كمال ومن كمال إلى نقصان،