صفحة رقم ٣٧٥
استعار لتعطفه عليهما رعياً لحقوقهما قوله تعالى :( جناح الذل ) أي جناح ذلّك، وبين المراد بقوله تعالى :( من الرحمة ) أي لا من أجل امتثال الأمر والنواهي وما تقدم لهما من من أجل الرحمة لهما، بأن لا تزال تذكر نفسك بالأوامر والنواهي وما تقدم لهما من الإحسان إليك، فصارا مفتقرين إليك وقد كنت أفقر خلق الله إليهما، حتى يصير ذلك خلقاً لازماً لك فإن النفس لأمارة بالسوء، وإن لم تقد إلى الخير بأنواع الإرغاب والإرهاب والإمعان في النظر في حقائق الأمور وعجائب المقدور، ولذلك أتبعه قوله تعالى آمراً بأن لا يكتفي برحمته التي لا بقاء لها، فإن ذلك لا يكافئ حقهما بل يلطب لهما الرحمة الباقية :( وقل رب ) أي أيهما المحسن إليّ بعطفهما عليّ حتى ربياني وكانا يقدماني على أنفسهما ) ارحمهما ( بكرمك برحمتك الباقية وجودك كما برحمتهما أنا برحمتي القاصرة مع بخلي وما فيّ من طبع اللوم ) كما ربياني ( برحمتهما لي ) صغيراً ( وهذا مخصوص بالمسلمين بآية ) ما كان للنبي ( لا منسوخ، ولقد أبلغ سبحانه في الإيصاء بهما حيث بدأه بأن شفع الإحسان إليهما بتوحيده ونظمه في سلكه، وختمه بالتضرع في نجاتهما، جزاء على فعلهما وشكراً لهما، وضيق الأمر في مراعاتهما حتى لم يرخص في أدنى شيء من امتهانهما، مع موجبات الضجر ومع أحوال لا يكاد يدخل الصبر إليها في حد الاستطاعة إلا بتدريب كبير.
ولما كان ذلك عسراً جداً من التهاون به بقوله تعالى :( ربكم ) أي المحسن إليكم في الحقيقة، فإنه هو الذي عطف عليكم من يربكم وهو الذي أعانهم على ذلك ) أعلم ) أي منكم ) بما في نفوسكم ( من قصد البر بهما وغيره، فلا يظهر أحدكم غير ما يبطن، فإن ذلك لا ينفعه ولا ينجيه إلا أن يحمل نفسه على ما يكون سبباً لرحمتهما ) إن تكونوا ) أي كوناً هو جبلة لكم ) صالحين ) أي متقين أو محسنين في نفس الأمر ؛ والصلاح : استقامة الفعل على ما يدعوا إليعه الدليل، وأشار إلى أنه لا يكون ذلك إلا بمعالجة النفس وترجيعها كرة بهد فرة بقوله تعالى :( فإنه كان للأوابين ) أي الرجاعين إلى الخير مرة إثر مرة بعد جماع أنفسهم عنه ) غفوراً ) أي بالغ الستر، تنبيهاً لمن وقع منه تقصيرن فرجع عنه على أنه مغفور.
الإسراء :( ٢٦ - ٢٩ ) وآت ذا القربى.....
) وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَآءَ رَحْمَةٍ مِّن رَّبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُل لَّهُمْ قَوْلاً مَّيْسُوراً وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً ( ( )


الصفحة التالية
Icon