صفحة رقم ٣٧٦
ولما حث على الإحسان إليهما بالخصوص، عم بالأمر به الكل ذي رحم وغيره، فقال تعالى :( وءات ذا القربى ( من جهة الأب أو الأم وإن بعد ) حقه و ( آت ) المسكين ( وإن لم يكن قريباً ) وابن السبيل ( وهو المسافر عم ماله لتكون متقياً محسناً.
ولما رغب في البذل، وكانت النفس قلما يكون فعلها قواماً بين الإفراط والتفريط، أتبع ذلك قوله تعالى :( ولا تبذر ( بتفريق المال سرفاً، وهو بذله فيما لا ينبغي، وفي قوله ) تبذيراً ( تنبيه على أن الارتقاء نحو ساحة التبذير أولى من الهبوط إلى مضيق الشح والتقتير ؛ والتبذير : بسط اليد في المال على حسب الهوى جزافاً، وأما الجود فبمقدار معلوم، لأنه اتباع أمر الله في الحقوق المالية، ومنها معلوم بحسب القدر، ومنها معلوم بحسب الوصف كمعاضدة أهل الملة وشكر أهل الإحسان إليك ونحو ذلكنة وقد سئل ابن مسعود رضي الله عنه عن التبذير فقال : إنفاق المال من غير حقه، وهن مجاهد رضي الله عنه : لو أنفق الإنسان ماله كله في الحق ما كان تبذيراً، ولو أنفق مداً في باط كان تبذيراً.
ثم علل ذلك بقوله :( إن المبذرين ) أي جبلة وطبعاً ) كانوا ) أي كوناً هم راسخون فيه ) إخوان الشياطين ) أي كلهم، البعيدين من الرحمة، المحترقين في اللعنة، فإن فعلهم فعل النار التي هي أغلب أجزائهم، وهو إحراق ما وصلت إليه لنفع وغير نفع، فإذا لم يجدوا أخذوا ما ليس لهم، والعرب تقول لكل ملازم سنة قوم وتابع أمرهم : هو أخوهم.
ولما كان الاقتصاد أدعى إلى الشكر، والتبذير أقود إلى الكفر، قال تعالى :( وكان الشيطان ) أي هذا الجنس البعيد من كل خير، المحترق من كل شر ) لربه ) أي الذي أحسن إليه بإيجاده وتربيته ) كفوراً ) أي ستوراً لما يقدر على ستره من آياته الظاهرة، ونعمه الباهرة، مع الحجة.
ولما أمر بما هو الأولى في حالة الوجدان، أمر بمثل ذلك حالة العدم، فقال مؤكداً تنبيهاً على أنه ينبغي أن يكون الإعراض عنهم في حيز الاستبعاد والاستنكار :( وإما تعرضن عنهم ) أي عن جميع من تقدم ممن أمرت بالبذل له، لأمر اضطرك إلى ذلك لا بد لك منه، لكونك لا تجد ما تعطيه، فأعرضت حياء لا لإرادة المنع، بل ) ابتغاء ) أي طلب ) رحمة ) أي إكرام وسعة ) من ربك ( الكثير الإحسان ) ترجوها ( فإذا أتتك واسيتهم فيها ) فقل لهم ( في حالة الإعراض ) قولاً ميسوراً ) أي ذا يسر يشرح صدورهم، ويبسط رجاءهم، لأن ذلك أقرب إلى طريق المتقين المحسنين الذين أنا معهم ؛ قال أبو حيان : وروي أنه عليه الصلاة والسلام كان بعد نزول هذه الآية إذا لم


الصفحة التالية
Icon