صفحة رقم ٣٧٨
الله عليه وعلى آله وسلم عن هذا الخلق قبل الإسلام وبعده :( ولا تقتلوا أولادكم ( معبراً بلفظ الولد هو داعية إلى الحنو والعطف ) خشية إملاق ) أي فقر متوقع لم يقع بعد ؛ ثم وصل بذلك استئنافاً قوله :( نحن نرزقهم وإياكم ( مقدماً ضمير الأولاد لكون الإملاق مترقباً من الإنفاق عليهم غير حاصل في حال القتل، بخلاف آية الأنعام فإن سياقها يدل على أن الإملاق حاصل عند القتل، والقتل للعجز عن الإنفاق، ثم علل ذلك بما هو أعم منه فقال تعالى :( إن قتلهم ) أي مطلقاً لهذا أو غيره ) كان خطأ ) أي إثماً ) كبيراً ( قال الرماني : والخطأ - أي بكسر ثم سكون - لا يكون إلا تعمداً إلى خلاف الصواب، والخطأ - أي محركاً - قد يكون من غير تعمد.
ولما كان في قتل الأولاد حظ من البخل، وفي فعل الزنا داعٍ من الإسراف، أتبعه به فقال تعالى :( ولا تقربوا ) أي أدنى قرب بفعل شيء من مقدماته ولو بإخطاره بالخاطر ) الزنى ( مع أن السبب الغالب في فعل النساء له الحاجة وطلب التزيد، وفيه معنى قتل الولد بتضييع نسبه، وفيه تسبب في إيجاد نفس الباطل، كما أن القتل تسبب في إعدامها بالباطل، وعبر بالقربان تعظيماً له لما فيه من المفاسد الجارّة إلى الفتن بالقتل وغيره ؛ ثم علله بقوله مؤكداً إبلاغاً في التنفير عنه لما للنفس من شدة الداعية إليه :( إنه كان ) أي كوناً لا ينفك عنه ) فاحشة ) أي زائدة القبح، وقد نهاكم عن الفحشاء في آية العدل والإحسان ) وساء ( الزنا ) سبيلاً ) أي ما أسوأه من طريق والتعبير عنه بالسبيل يدل على كثرة متعاطيه بالدلالة على سعة منهجه.
ولما أتم النهي عن هذين الأمرين المتحدين في وصف الفحش وفي السبب على تقدير، وفي إهلاك الولد بالقتل وما في معناه، أتبعهما مطلق القتل الذي من أسبابه تحصيل المال فقال تعالى :( ولا تقتلوا النفس ) أي بسبب ما جعل خالقها لها من النفاسة ) التي حرم الله ) أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله بالإسلام أو العهد ) إلا بالحق ) أي بأمر يحل الله به تلك الحرمة التي كانت، فصارت الأسباب المنهي عنها بتحريم مسبباتها منع الموجود بخلاً ثم بذله إسرافاً ثم تحصيل المفقود بغياً ؛ ثم عطف على ما أفهم السياق تقديره وهو : فمن قتل نفساً بغير حق فقد عصى الله ورسوله ) ومن قتل ) أي وقع قتله من أيّ قاتل كان ) مظلوماً ) أي بأيّ ظلم كان، من غير أن يرتكب إحدى ثلاث : الكفر، والزنا بعد الإحصان، وقتل المؤمن عمداً، عدواناً ) فقد جعلنا ) أي بما لنا من العظمة ) لوليه ) أي سواء كان قريباً أو سلطاناً ) سلطاناً ) أي أمراً متسلطاً ) فلا يسرف ( الولي، أو فلا تسرف أيها الولي ) في القتل ( بقتل غير القاتل، ولا يزد على حقه بوجه ) كان منصوراً ( في الدنيا بما جبل الله في الطباع من


الصفحة التالية
Icon