صفحة رقم ٣٨٠
الدنيا والآخرة وإن تراءى لكم أن غيره خير ) وأحسن تأويلاً ) أي عاقبة في الدارين، وهو تفعيل من الأول وهو الرجوع، وأفعل التفضيل هنا لاستعمال النصفة لإرخاء العنان، أي على تقدير أن يكون في كل منهما خير، فهذا الذي أزيد خيراً والعاقل لا ينبغي أن يرضى لنفسه بالدون.
ولما كان ذلك مما تشهد القلوب بحسنه، وأضداده مما تتحقق النفوس قبحه، لأن الله تعالى جبل الإنسان على ذلك كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( البر ما سكن إليه القلب واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب وتردد في الصدر وإن أفتاك المفتون وأفتوك ) وقال :( إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى : إذا لم تستحي فاصنع ما شئت ) وكان قد جمع الضمائر سبحانه، تلاه سبحانه بما يعمه وغيره فقال تعالى مفرداً الضمير ليصوب النهي إلى كل من الجمع والإفراد في حالتي الاجتماع والانفراد على حد سواء :( ولا ) أي افعلوا ما أمرتم به من ذلك، وانتهوا عما نهيتم عنه منه، لما تقرر في الجبلات من العلم الضروري بخيريته وحسنه، ولا ) تقف ) أي تتبع أيها الإنسان مجتهداً بتتبع الآثار ) ما ليس لك به علم ( من ذلك وغيره، كل شيء بحسبه، لا سيما البهت والقذفن فما كان المطلوب فيه القطع لم يقنع فيه بدونه، وما اكتفى فيه بالظن وقف عنده ؛ ثم علل ذلك مخوفاً بقوله :( إن السمع والبصر ( وهما طريقا الإدراك ) والفؤاد ( الذي هو آلة الإدراك ؛ ثم هوّل الأمر بقوله تعالى :( كل أولئك ) أي هذه الأشياء العظيمة، العالية المنافع، البديعة التكوين، وأولاء وجميع أسماء الإشارة يشار بها للعاقل وغيره كقوله :
ذم المنازل بعد منزلة اللوى والعيش بعد أولئك الأيام
) كان ) أي بوعد لا خلف فيه ) عنه ) أي وحده ) مسؤولاً ( بسؤال يخصه، هل استعمله صاحبه في طلب العلم مجتهداً في ذلك، لعمل عند الوقوف على الحقائق بما يرضي الله، ويجتنب ما يسخطه أو لا ؟ وأول حديث النفس السابح ثم الخاطر ثم الإرادة والعزيمة، فيؤاخذ بالإرادة والعزيمة لدخولهما تحت الاختيار فيتعلق بهما التكليف، ولعدم دخول الأولين خفف عنا بعدم المؤاخذة بهما، كما قال صلى الله عليه


الصفحة التالية
Icon