صفحة رقم ٣٩١
في الإصغاء والميل السمع ) به ( من الآذان والقلوب، أو بسببه من إرادة الوقوع على سقطة يجعلونها موضع تكذيبهم واستهزائهم ) إذ ) أي حين ) يستمعون ) أي يصغون بجهدهم، وبين بعدهم المعنوي بقوله تعالى :( إليك وإذ ) أي وحين ) وهم ( دوو ) نجوى ) أي يتناجون بأن يرفع كل منهم سره على صاحبه بعد إعراضهم عن الاستماعك ثم ذكر ظرف النجوى فقال تعالى :( إذ يقول ( مبرزاً لضميرهم بالوصف الدال على حملهم على ما تناجوا به، وهم ) الظالمون ( ومقولهم :( إن تتبعون ) أي أيها التابعون له بغاية جهدكم ) إلا رجلاً محسوراً ( مختلط العقل، فامتطوا في هذا الوصف ذروة الظلم، وسيأتي في آخر السورة سر استعمال اسم المفعول موضع اسم الفاعل ؛ ثم وصل بذلك الدليل على نسبته سبحانه لهم إلى الجهل الذي كان نتيجة قولهم هذا فقال تعالى :( انظر ( ولما كان أمرهم بما يزيد العجب منه وتتوفر الدواعي على السؤال عنه قال تعالى :( كيف ضربوا ) أي هؤلاء الضلال ) لك الأمثال ( التي هي أبعد شيء عن صفتك من قولهم : ساحر وشاعر ومجنون ونحوه ) فضلوا ( عن الحق في جميع ذلك ) فلا ) أي فتسبب عن ذلالهم أنهم لا ) يستطيعون سبيلاً ) أي يسلكون فيه، إلى إصابة المحن في مثل، أو إحكام الأمر في عمل، وهذا بعد أن نهاهم الله بقوله تعالى
٧٧ ( ) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون ( ) ٧
[ النحل : ٧٤ ] فكأن هذا أول دليل على ما وصفناهم به من عدم الفهم والسمع فضلاً عن أن يكون لهم إلى مقاومة هذا القرآن - الذي يدعون أنه قول البشر - سبيل أو يغيروا في وجهه بشبهة فضلاً عن دليل.
ولما جرت عادة القرآن بإثبات التوحيد والنبوة والمعاد، وقدم الدلالة على الأولين، وختم جهلهم في النبوة مع ظهورهان أتبع ذلك أمراً جلياً في ضلالهم عن السبيل في أمر المعاد وقرره غاية التقرير، وحرره أتم تحرير، فقال تعالى معجباً منهم :( وقالوا ) أي المشركون المنكرون للتوحيد والنبوة والبعث مع اعترافهم بأنا ابتدأنا خلقهم ومشاهدتهم في كل وقت أنا نحيي الأرض بعد موتها :( أإذا ( استفهاماً إنكارياً كأنهم على ثقة من عدم ما ينكرونهن والعامل في ) إذا ( فعل من لفظ ) مبعوثون ( لا هو.
فإن ما بعد ) إن ( لا يعمل فيما قبلها.
فالمهنى : أنبعث إذا ) كنا ) أي بجملة أجسامنا كوناً لازماً ) عظاماً ورفاتاً ) أي حطاماً مكسراً مفتتاً وغباراً ) إنا لمبعوثون ( حال كوننا مخلوقين ) خلقاً جديداً ( فكأنه قيل : فماذا يقال لهم في الجواب ؟ فقيل :( قل ( لهم : لا تكونوا رفاتاً، بل ) كونوا ( تراباً، بل كونوا أصلب التراب ) حجارة ) أي هي في غاية اليبس ) أو حديداً ( زاد على يبس الحجارة شدة اتصال الأجزاء ) أو خلقاً ( غيرهما ) مما يكبر ) أي يعظم كبيرة ) في صدوركم (


الصفحة التالية
Icon