صفحة رقم ٣٩٢
عن قبول الحياة ولو أنه الموت، حتى تعلموا حال الإعادة، كيف يكون حالكم في الإجابة إلى ما يريد ؟ فإن الكل أصله التراب، فالذي فضل طينكم - الذي خلقتم منه على سائر الطين بالنمو ثم بالحياة ثم بالنطق وفضل بعض الناطقين على بعض بمواهب لا تحصى - قادر أن ينقل تلك الفضيلة إلى الطين الذي نقله طوراً بعد طور إلى أن جعله حجراً أو حديداً ) فسيقولون ( تمادياً في الاستهزاء :( من يعيدنا ( إذا كنا كذلك ) قل الذي فطركم ) أي ابتدأ خلقكم ) أول مرة ( ولم تكونوا شيئاً يعيدكم بالقدرة التي ابتدأكم بها، فكما لم تعجز تلك القدرة عن البداءة فهي لا تعجز عن الإعادة ) فسينغضون ) أي مصوبين بوعد لا خلف فيه مشيرين ) إليك رؤوسهم ) أي يحركونها من شدة التعجب والاستهزاء كأنهم في شدة جهلهم على غاية البصيرة من العلم بما يقولون ؛ والنغض والإنغاض : تحريك بارتفاع وانخفاض ) ويقولون ( استهزاء :( متى هو ( ثم وصل به قوله تعالى :( قل ( قول مقتصد غير ممتعض بحالهم ولا ضيق بقولهم :( عسى أن يكون ) أي كوناً لا انفكاك عنه ) قريباً ( مطرقاً إليه الاحتمال لأمكانه غير جازم، ثم استأنف جازماً بقوله :( يوم ) أي يكون ذلك يوم ) يدعوكم ) أي يناديكم المنادي من قبله بالنفخة أو بغيرها كأن يقول : يا أهل القبور قوموا إلى الجزاء - أو نحو ذلك ) فتستجيبون ) أي توافقون الداعي فتفعلون ما أراد بدعائه وتطلبون إجابته وتوجدونها، أو استعار الدعاءوالاستجابة للبعث والابنعاث تنبيهاً على سرعتهما وتيسر أمرهما، أو أن القصد بهما الإحضار للحساب ) بحمده ) أي بإحاطته سبحانه بكل شيء قدرة وعلماً من غير تخلف أصلاً، بل لغاية الإذعان كما يرشد إليه صيغة استفعل، وأنتم مع سرعة الإجابة تحمدون الله تعالى، أي تثبتون له صفة الكمال ) وتظنون ( مع استجابتكم وطول لبثكم ) إن ) أي ما ) لبثتم ( ميتين ) إلا قليلاً ( لشدة ما ترون من [ الأهوال التي أحاطت بكم والتي تستقبلكم، أو جهلاً منكم بحقائق الأمور كما هي حالكم اليوم كما ترون من - جدة خلقكم وعدم تغيره.
ولما أمره سبحانه بإبلاغهم هذا الكلام، وفيه من التهكم بهم والتبكيت لهم والاستخفاف بعقولهم ما لا يعلم مقداره إلا مثلهم من البلغاء والعرب العرباء، وكان لكونه كلام العليم بالعواقب، الخبير بما تجن الضمائر - ربما استن به المؤمنون فخاطبوهم بنحوه من عند أنفسهم، نهاهم عن ذلك لئلا يقولوا ما يهيج شراً أو تثير ضراً، فقال تعالى :( وقل ) أي قل لهم ذلك من الحكمة والموعظة الحسنة، وقل ) لعبادي ) أي الذين هم أهم للإضافة إليّ، واعظاً لهم لئلا يتجاوزا الحد من شدة غيظهم من المشركين، إن تقل لهم ذلك ) يقولوا ( الموعظة والحكمة والمجادلة ) التي


الصفحة التالية
Icon