صفحة رقم ٤١٣
غيرك لأجل فعلك، وهذه الآية من الأدلة الواضحة على ما خص به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الفضائل في شرف جوهره، وزكاء عنصره، ورجحان عقله، وطيب أصله، لأنها دلت على أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لو وكل إلى نفسه وما خلق الله في طبعه وجبلته من الغرائز الكاملة والأوصاف الفاضلة، ولم يتداركه بما منحه من التثبيت زيادة على ذلك حال النبوة لم يركن إليهم، وهم أشد الناس أفكاراً، وا أصفاهم أفهاماً، وأعلمهم بالخداع، مع كثرة عددهم، وعظم صبرهم وجلدهم - ركوناً ما أصلاً، وإنما كان قصاراهم أن يقارب الركون شيئاً قليلاً، فسبحان من يخص من يشاء بما يشاء، وهو ذو الفضل العظيم ) إذاً ) أي لو قاربت الركون الموصوف إليهم ) لأذقناك ) أي بعظمتنا ) ضعف ( عذاب ) الحياة وضعف ( عذاب ) الممات ) أي ذلك العذاب مضاعفاً.
وهذه المادة تدور على الوهي، ويلزمه التقوية بالضعف - بكسر الضاد أي المثل وما زاد، وكل شيء له مكاثر فهو ضعيف بدونه، ويلزم الضعف الذي هو المثل المضموم إلى مثله : القوة، فمن الوهي : الضعف والضعف بالفتح والضم، وهو خلاف القوة، وقيل : الضعف بالفتح في العقل والرأي، وبالضم في الجسد، والضعيف : الأعمى - حميرية، وأرض مضعفة للمفعول : أصابها مطر ضعيف، وضعف الشيء بالكسر : مثله - لأن كل ما له مثل فهو ضعيف، وضعفاه مثلاه.
ويقال : لك ضعفه، أي مثلاه، وثلاثة أمثاله، لأن أصل الضعف زيادة غير محصورة، وضاعفت الشيء، أي ضممت إلى الشيء شيئين فصار ثلاثة، وأضعاف الكتاب : أثناء سطوره - لأنها أمثال للسطور من البياض وزيادة عليها ومن القوة التي تلزم المثل : أضعاف البدن وهي أعضاؤه - لأن غالبها مثنى، أو هي عظامه - لأنها أقوى ما فيه، ومن الضعف أيضاً مقلوبة الذي هو ضعف - إذا أحدث وضربط، وكذا مقلوبة فضع، والضفع نجو الفيل، والضفعانة : تمرة السعدانة ذات الشوك مستديرة - كأنها فلكة، فالمعنى - والله أعلم : أذقناك وهي الحياة ووهي الممات مضاعفاً أضعافاً كثيرة.
ولما كانت القوة بعد هذا في غاية البعد، عبر بأداة التراخي في قوله تعالى :( ثم لا تجد لك ) أي وإن كنت أعظم الخلق وأعلاهم همة ) علينا نصيراً ( والآية دالة على أن القبيح يعظم قبحه بمقدار عظيم شأن مرتكبه وارتفاع منزلته، وعلى أن أدنى مداهنة للغواة مضادة لله وخروج عن ولايته، فعلى من تلاها أن يتدبرها وأن يستشعر الخشية وعظيم التصلب في الدين.
ولما بين أنهم استمالوه بالرفق حتى كادوا - لولا العصمة - أن يميلوه، دل على