صفحة رقم ٤٦٥
كان فقيراً زريّ الهيئة ولم ينفع إلا نفسه ) ومن شاء ( منكم ومن غيركم ) فليكفر ( فهو أهل لأن يعرض عنه ولا يلتفتت إليه وإن كان أغنى الناس وأحسنهم هيئة، وإن تعاظمت هيبته لما اشتد من أذاه، وأفرط من ظلمه، وسنشفي قلوب المؤمنين في الدارين بالانتقام منه، والآية دالة على أن كلاًّ من الكفر والإيمان موقوف على المشيئة بخلق الل تعالى، لأن الفعل الاختياري يمتنع حصوله بدون القصد إليه وذلك القصد إن كان بقصد آخر يتقدمه لزم أن يكون كل قصد مسبوقاً بقصد آخر إلى غير النهاية وهو محال، فوجب أن تنتهي تلك القصود إلى قصد يخلقه الله في العبد على سبيل الضرورة يجب به الفعل، فإلإنسان مضطر في صورة مختار، فلا دليل للمعتزلة في هذه الآية.
ولما هدد السامعين بما حاصله : ليختر كل امرئ لنفسه ما يجده غداً عند الله تعالى، اتبع هذا التهديد تفصيلاً لما أعد للفريقين من الوعد والوعيد لفاً ونشراً مشوشاً - بما يليق بهذا الأسلوب المشير إلى أنه لا كفوء له من نون العظمة فقال تعالى :( إنا اعتدنا ) أي هيأنا بما لنا من العظمة تهيئة قريبة جداً، وأحضرنا على وجه ضخم شديد تام التقدير ) للظالمين ) أي لمن لم يؤمن، ولكنه وصف إشارة إلى تعليق الحكم به ) ناراً ( جعلناها معدة لهم ) أحاط بهم ( كلهم ) سرادقها ) أي حائطها الذي يدار حولها كما يدار الحظير حول الخيمة من جميع الجوانب.
ولما كان المحرور شديد الطلب للماء قال تعالى :( وإن يستغيثوا ( من حر النار فيطلبوا الغيث - وهو ماء المطر - والغوث بإحضاره لهم ؛ وشاكل استغاثتهم تهكماً بهم فقال تعالى :( يغاثوا بماء ( ليس كالماء الذي قدمنا الإشارة إلى أنا نحيي به الأرض بعد صيرورتها صعيداً جزراً، بل ) كالمهل ( وهو القطران الرقيق وما ذاب في صفر أو حديد والزيت أو درديّه - قاله في القاموس.
وشبهه به من أجل تناهي الحر مع كونه ثخيناً، وبين وجه الشبه بقوله تعالى :( يشوي الوجوه ) أي إذا قرب إلى الفم فكيف بالفم والجوف ثم وصل بذلك ذمه فقال تعالى :( بئس الشراب ) أي هو، فإنه أسود منتن غليظ حار، وعطف عليه ذم النار المعدة لهم فقال تعالى :( وساءت مرتفقا ) أي منزلاً يعد للارتفاق، فكأنه قيل : فما لمن آمن ؟ فقال تعالى :( إن الذين ءامنوا ( ولما كان الإيمان هو الإذعان للأوامر، عطف عليه ما يحقق ذلك فقال تعالى :( وعملوا الصالحات ( ثم عظم جزاءهم بقوله تعالى :( إنا لا نضيع ) أي بوجه من الوجوه لما يقتضيه عظمتنا ) أجر من أحسن عملاً ( مشيراً بإظهار إلى أنهم استحقوا بذلك الوصف بالإحسان، فكأنه قيل : فما لهم ؟ فقال مفصلاً لما أجمل من وعدهم :( أولئك ) أي العالو الرتبة ) لهم جنات عدن ) أي إقامة، فكأنه قيل : ما لهم فيها ؟