صفحة رقم ٤٧٠
ولما قدم ما يجب عليه من نفسه منبهاً به لصاحبه، ثم ما يجب عليه من التصريح بالإرشاد في أسلوب مقرر أن الأمر كله لله، لأحد غيره، أنتج قوله تعالى :( إن ترن ) أي أيها المفتخر بما له عليّ ) أنا ( ولما ذكر مفعول ( ترى ) الثاني فقال :( أقل منك ( وميز القليل بقوله :( مالاً وولداً ) أي من جهة المال والولد الذي هو أعز نفر الإنسان.
ولما أقر المؤمن بالعجز والافتقار، في نظير ما أبدى الكافر من التقوى والافتخار، سبب عن ذلك ما جرت به العادة في كل جزاء، داعياً بصورة التوقع فقال تعالى :( فعسى ربي ( المحسن إليّ ) أن يؤتين ( من خزائن رزقه ) خيراً من جنتك ( فيحسن إليّ بالغنى كما أحسن إليّ بالفقر المقترن بالتوحيد، المنتج للسعادة ) ويرسل عليها ) أي جنتك ) حسباناً ) أي مرامي من الصواعق والبرد الشديد ) من السماء (.
ولما كانت المصابحة بالمصيبة أنكى ما يكون، قال تعالى :( فتصبح ( بعد كونها قرة للعين بما تهتز به من الأشجار والزروع ) صعيداً زلقاً ) أي أرضاً يزلق عليها لملاستها باستئصال نباتها، فلا ينبت فيها نبات، ولا يثبت فيها قدم ) أو يصبح ماؤها غوراً ( وصف بالمصدر لأنه أبلغ ) فلن تستطيع ( أنت ) له طلباً (.
الكهف :( ٤٢ - ٤٤ ) وأحيط بثمره فأصبح.....
) وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلَى مَآ أَنْفَقَ فِيهَا وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَيَقُولُ يلَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً وَلَمْ تَكُن لَّهُ فِئَةٌ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِراً هُنَالِكَ الْوَلاَيَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَاباً وَخَيْرٌ عُقْباً ( ( )
ولما كان من المعلوم أن هذا المؤمن المخلص بعين الرضى، كان من المعلوم ان التقدير : فاستجيب لهذا الرجل المؤمن، أو : فحقق له ما توقعه فخيب ظن المشرك، فعطف عليه قوله :( وأحيط ) أي أوقعت الإحاطة بالهلاك، بني للمفعول لأن الفكر حاصل بإحاطة الهلاك من غير نظر إلى فاعل مخصوص، وللدلالة على سهولته ) بثمرة ) أي الرجل المشرك، كله فاستؤصل هلاكاً ما في السهل منه وما في الجبل، وما يصبر منه على البرد والحر وما لا يصبر ) فأصبح يقلب كفيه ( ندماً، ويضرب إحداهما على الأخرى تحسراً ) على ما أنفق فيها ( لعمارتها ونمائها ) وهي خاوية ) أي ساقطة مع الخلو ) على عروشها ) أي دعائمها التي كانت تحملها فسقطت على الأرض وسقطت هي فوقها ) ويقول ( تمنياً لرد ما فات لحيرته وذهول عقله ودهشته :( يا ليتني ( تمنياً لاعتماده على الله من غير إشراك بالاعتماد على الفاني ) لم أشرك بربي أحداً ( كما قاله له صاحبه، فندم حيث لم ينفعه الندم على ما فرط في الماضي لأجل ما فاته من الدنيا، لا حرصاً على الإيمان لحصول الفوز في العقبى، لقصور عقله ووقوفه مع