صفحة رقم ٤٧٥
أنك سمعته من رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في القصاص، فخشيت أن تموت قبل أن أسمعه، فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول :( يحشر الله عز وجل الناس - أو قال : العباد - حفاة عراة بهما ) قلت : وما بهما ؟ قال :( ليس معهم شيء، ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان، لا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار وله عند أحدمن أهل الجنة حق حتى أقصه منه، ولا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة وله عند أحد من أهل النار حق حتى أقصه منه حتى اللطمة، ) قال : قلنا : كيف وإنما نأتي الله حفاة عراة بهما ؟ قال :( بالحسنات والسيئات ).
ولما ذكر العبث وختمه بإحسانه بالعدل المثمر لإعطاء كل أحد ما يستحقه، أتبعه - بما له من الفضل - بابتداء الخلق الذي هو دليله، في سياق مذكر بولايته الموجبة للإقبال عليه، وعداوة الشيطان الموجبة للإدبار عنه، مبين لما قابلوا به عدله فيهم وفي عدوهم من الظلم بفعلهم كما فعل من التكبر على آدم عليه السلام بأصله، فتكبروا على فقراء المؤمنين بأصلهم وأموالهم وعشائرهم، فكان فعلهم فعله سواء، فكان قدوتهم وهو عدوهم، ولم يقتدوا بخير خلقه وهو وليهم وهو أعرف الناس به، فقال تعالى عاطفاً على ) واضرب ( :( وإذ ) أي واذكر لهم إذ ) قلنا ( بما لنا من العظمة ) للملائكة ( الذين هم أطوع شيء لأوامرنا وإبليس فيهم، قال ابن كثير : وذلك أنه كان قد ترسم بأفعال الملائكة وتشبه بهم وتعبد وتنسك، ولهذا دخل في خطابهم وعصى بالمخالفة ) اسجدوا لآدم ( أبيهم نعمة منا عليه يجب عليهم شكرنا فيها ) فسجدوا ( كلهم ) إلا إبليس ( فكأنه قيل : ما له لم يسجد ؟ فقيل :( كان ) أي لأنه كان ) من الجن ( المخلوقين من نار، ولعل النار لما كانت نيرة وإن كانت نورانيتها مشوبة بكدورة وإحراق، عد من الملائكة لاجتماع العنصرين في مطلق النور، مع ما كان غلب عليه من العبادة، فقد روى مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم :( خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان - ) وفي رواية :( إبليس - من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ) وفي مكائد الشيطان لابن أبي الدنيا عن ابن عباس رضي الله عنهما أن الجن كانت قبيلة من الملائكة.