صفحة رقم ٤٩٢
ولما كان المقام صعباً جداً لأنه بالنسبة إلى أوامر الله تعالى، بينه على وجه أبلغ من نفي الأخص، وهو الصبر البليغ، بالتعجب من مطلق الصبر معتذراً عن موسى في الإنكارن وعن نفسه في الفعل، بأن ذلك بالنسبة إلى الظاهر والباطن، فقال عاطفاً على ما تقديره : فكيف تتبعني الاتباع البليغ :( وكيف تصبر ( يا موسى ) على ما لم تحط به خبراً ) أي من جهة العلم به ظاهراً وباطناً، فأشار بالإحاطة إلى أنه كان يجوز أن يكون على صواب، ولكن تجويزاً لا يسقط عنه وجوب الأمر، ويجوز أن يكون هذا تعليلاً لما قبله، فيكون الصبر الثاني هو الأولن والمعنى أنك لا تستطيع الصبر الذي أريده لأنك لا تعرف فعلي على ما هو عليه فتراه فاسداً ) قال ) أي موسى عليه السلام، آتياً بنهاية التواضع لمن هو أعلم منه، إرشاداً لما ينبغي في طلب العلم رجاء تسهيل الله له والنفع به :( ستجدني ( فأكد الوعد بالسنين ؛ ثم أخبر عنه سبحانه أنه قوى تأكيده بالتبرك بذكر الله تعالى لعلمه بصعوبة الأمر على الوجه الذي تقدم الحث عليه في هذه السورة في قوله تعالى ) ولا تقولن لشيء إني فاعل ( الآية ليعلم أنه منهاج الأنبياء وسبيل الرسل، فقال تعالى :( إن شاء الله ) أي الذي له صفات الكمال ) صابراً ( على ما يجوز الصبر عليه ؛ ثم زاد التأكيد بقوله عطفاً بالواو على ( صابراً ) لبيان التمكن في كل من الوصفين :( ولا أعصي ) أي وغير عاص ) لك أمراً ( تأمرني به غير مخالف لظاهر أمر الله ) قال ) أي الخضر عليه السلام :( فإن اتبعني ( يا موسى اتباعاً بليغاً ) فلا تسألني عن شيء ( أقوله أو أفعله ) حتى أحدث لك ( خاصة ) منه ذكراً ( يبين لك وجه صوابه، فإني لا أقدم على شيء إلا هو صواب جائز في نفس الأمر وإن كان ظاهره غير ذلك.
ولما تشارطا زتراضيا على الشرط سبب قوله تعالى :( فانطلقا ) أي موسى والخضر عليهما السلام على الساحل، يطلبان سفينة يركبان فيها واستمرا ) حتى إذا ركبا في السفينة ( وأجاب الشرط بقوله تعالى :( خرقها ( وعرفها لإرشاد السياق بذكر مجمع البحرين إلى أن انطلاقهما كان لطلب سفينة، فكانت لذلك كأنها مستحضرة في الذهن، ولم يقرن ( خرق ) بالفاء لأنه لم يكن مسبباً عن الركوب ولا كان في أول أحيانه ؛ ثم استأنق قوله تعالى :( قال ) أي موسى عليه السلام، منكراً لذلك لما في ظاهره من الفساد بإتلاف المال المفضي إلى فساد أكبر منه بإهلاك النفوس، ناسياً لما عقد على نفسه لما دهمه مما عنده من الله - وهو الإله العظيم - من العهد الوثيق المكرر في جميع أسفار التوراة بعد إثباته في لوحي الشهادة في العشر كلمات التي نسبتها من التوراة كنسبة الفاتحة من القرآن بالأمر القطعي أنه لا يقر على منكر، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور، على أنه لا يقر على منكر، ومن المقرر أن النهي واجب على الفور، على