صفحة رقم ٤٩٧
وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَّهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحاً فَأَرَادَ رَبُّكَ أَن يَبْلُغَآ أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِع عَّلَيْهِ صَبْراً ) ٧٣
( ) ٧١
ولما كان كل من الغصب والمسكنة سبباً لفعله، قدمها على الغصب، إشارة إلى أن أقوى السببين الحاملين على فعله الرأفة بالمساكين ) وأما الغلام ) أي الذي قتلته ) فكان أبواه مؤمنين ( وكان هو مطبوعاً على الكفر - كما يأتي في حديث أبيّ رضي الله عنه.
ولما كان يحتمل عند الخضر عليه السلام أن يكون هذا الغلام مع كفره في نفسه سبباً لكفر أبويه إن كبر، وكان أمر الله له بقتله مثل فعل من يخشى ذلك، أسند الفعل إليهما في قوله :( فخشينا أن يرهقهما ) أي يغشيهما ويلحقهما إن كبر بمحبتهما له أو بجراءته وقساوته ) طغياناً ) أي تجاوزاً في الظلم وإفراطاً فيه ) وكفراً ( لنعمتها فيفسد دنياهما أو يحملهما حبهما له على الطغيان والكفر بالله طاعة فيفسد دينهما، روى مسلم في القدر وأبو داود في السنة والترمذي في التفسير عن ابن عباس عن أبي بن كعب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال :( إن الغلام الذي قتله الخضر طبع كافراً، ولو عاش لأرهق أبويه طغياناً وكفراً ) وهذا حديث :( الله أعلم بما كانوا عاملين ) يدل على أن العذاب - على ما لو وجد شرطه لوقع - إنما يكون على ما كان جبلة وطبعاً، لا ما كان عارضاً، وإلا لعذب الأبوان على تقدير أن يكون المعلوم من الكفر منهما.
ولما ذكر ما يلزم علي تقدير بقائه من الفساد سبب عنه قوله :( فأردنا ) أي بقتله وإراحتهما من شره، ولما كان التعويض عن هذا الولد لله وحده، أسند الفعل إليه في قوله :( أن يبدلهما ربهما ) أي المحسن إليهما بإعطائه وأخذه ) خيراً منه زكاة ( طهارة وبركة، أي من جهة كونه كان ظاهر الزكاء في الحال، وأما في المآل فلو عاش كان فيه خبيثاً ظاهر الخبث، وهذا البدل يمكن أن يكون الصبر، ويمكن أن يكون ولداً آخر، وهو المنقول وأنها كانت بنتاً ) وأقرب رحماً ( براً بهما وعطفاً عليهما ورحمة لهما فكان الضرر اللاحق لهما بالتأسف عليه أدنى من الضرر اللاحق لهما عند كبره بإفساد دينهما أو دنياهما ) وأما الجدار ( الذي أشرت بأخذ الأجر عليه ) فكان لغلامين ( ودل على كونهما دون البلوغ بقوله ) يتيمين (.