صفحة رقم ٥٠١
ولما فرغ من هذه القصة التي حاصلها أنها طواف في الأرض لطلب العلم، عقبها بقصة من طاف الأرض لطلب الجهاد، وقدم الأولى إشارة إلى علو درجة العلم لأنه أساس كل سعادة، وقوام كل أمر، فقال عاطفاً على
٧٧ ( ) ويجادل الذين كفروا بالباطل ( ) ٧
[ الكهف : ٥٦ ] ) ويسألونك عن ( الرجل الصالح المجاهد ) ذي القرنين ( سمي لشجاعته أو لبلوغه قرني مغرب الشمس ومشرقها، أو الانقراض قرنين من الناس في زمانه، أو لأنه كان له ضفيرتان من الشعر أو لتاجه قرنان، وهو الإسكندر الأول - نقل ابن كثير عن الأزرقي أنه كان على زمن الخليل عليه السلام، وطاف معه بالبيت، ومن المناسبات الصورية أن في قصة كل منهما ثلاثة أشياء آخرها بناء جدار لا سقف له، وإنما هو لأجل حفظ ما يهتم به خوف المفسدن وصدّرها بالإخبار عن سؤالهم إشارة إلى أنهم لم يسألوا عن التي قبلها على ما فيها من العجائب وللطائف، والأسرار والمعارف، تبكيتاً لليهود في إغفال الأمر بالسؤال عنها إن كان مقصودهم الحق، وإن لم يكن مقصوداً لهم كانوا بالتبكيت أجدر، أو تكون معطوفة على مسألتهم الأولى وهي الروح، وصدرها بالإخبار بالسؤال تنبيهاً على ذلك لطول الفصل، إشارة إلى أن ذلك كله مرتبط بجوابهم ارتباط الدر بالسلك.
ولما كان من المعلوم أنه يقول صلى الله عليه وعلى آله وسلم : فبماذا أجيبهم ؟ قال :( قل ) أي لهم :( سأتلوا ) أي أقص قصاً متتابعاً في مستقبل الزمان إن أعلمني الله به ) عليكم ( أيها المشركون وأهل الكتاب المعلمون لهم مقيداً بأن شاء الله كما سلف لك الأمر به ) منه ذكراً ( كافياً لكم في تعرف أمره، جامعاً لمجامع ذكره.
ولما كانت قصته من أدل دليل على عظمة الله، جلاها في ذلك المظهر فقال :( إنا ( مؤكداً لأن المخاطبين بصدد التعنت والإنكار ) مكنا ) أي بما لنا من العظمة، قيل : بالملك وحده، وقيل مع النبوة، لأن ما ينسب إلى الله تعالى على سبيل الامتنان والإحسان جدير بأن يحمل على النهاية لا سيما إذا عبر عنه بمظهر العظمة ) له في الأرض ( مكنة يصل بها إلى جميع مسلوكها، ويظهر بها على سائر ملوكها ) وءاتيناه ( بعظمتنا ) من كل شيء ( يحتاج إليه في ذلك ) سبباً ( قال أبو حيان : وأصل السبب الحبل، ثم توسع فيه حتى صار يطلق على ما يتوصل به إلى المقصود.
فأراد بلوغ المغرب، ولعله بدأ به لأن باب التوبة فيه ) فأتبع ) أي بغاية جهده - هذا على قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو بالتشديد، والمعنى على قراءة الباقين بقطع الهمزة وإسكان الفوقانية : ألحق بعض الأسباب ببعض، وذلك تفسير لقراءة التشديد ) سبباً ( يوصله