صفحة رقم ٥٠٢
إليه، واستمر متبعاً له ) حتى إذا بلغ ( في ذلك المسير ) مغرب الشمس ) أي الحد الذي لا يتجاوزه آدمي في جهة الغرب ) وجدها ( فيما يحس بحاسة لمسه ) تغرب ( كما أحسه بحاسة بصره من حيث إنه متصل بما وصل إليه بيده، لا حائل بينه وبينه ) في عين حمئة ) أي ذات حمأة أي طين أسود، وهي مع ذلك حارة كما ينظر من في وسط البحر أنها تغرب فيه وتطلع منه وعنده القطع بأن الأمر ليس كذلك ) ووجد عندها ) أي على الساحل المتصل بتلك العين ) قوماً ( كفاراً لهم قوة على ما يحاولونه ومنعة، فكأنه قيل : ماذا أمر فيهم ؟ فأجيب بقوله :( قلنا ( بمظهر العظمة :( يا ذا القرنين ( إعلاماً بقربه من الله وأنه لا يفعل إلا ما أمره به، إما بواسطة الملك إن كان نبياً وهو أظهر الاحتمالات، أو بواسطة نبي زمانه، أو باجتهاده في شريعته الاجتهاد المصيب، ) إما أن تعذب ) أي هؤلاء القوم ببذل السيف فيهم بكفرهم ) وإما أن تتخذ ) أي بغاية جهدك ) فيهم حسناً ( أمراً له حسن عظيم، وذلك هو البداءة بالدعاء، إشارة إلى أن القتل وإن كان جائزاً فالأولى أن لا يفعل إلا بعد اليأس من الرجوع عن موجبه ) قال أما من ظلم ( باستمراره على الكفر فإنا نرفق به حتى نيأس منه ثم نقتله، وإلى ذلك أشار بقوله :( فيعذبه عذاباً نكراً ( شديداً جداً لم يعهد مثله لكفره لنعمته، وبذل خيره في عبادة غيره، وفي ذلك إشارة بالتهديد الشديد لليهود الغارين لقريش، وإرشاد لقريش إلى أن يسألوهم عن قوله هذا، ليكون قائداً لهم إلى الإقرار بالبعث ) وأما من ءامن وعمل صالحاً ( تصديقاً لما أخبر به من تصديقه ) فله ( في الدارين ) جزاء ( طريقته ) الحسنى ( منا ومن الله بأحسن منها ) وسنقول ( بوعد لا لخف فيه بعد اختباره بالأعمال الصالحة ) له ) أي لأجله ) من أمرنا ( الذي نأمر به فيه ) يسراً ) أي قولاً غير شاق من الصلاة والزكاة والخراج والجهاد وغيرها، وهو ما يطيقه ولا يشق عليه مشقة كبيرة ) ثم أتبع ( لإرادته بلوغ مشرق الشمس ) سبباً ( من جهة الجنوب يوصله إلى المشرق واستمر فيه لا يمل ولا تغلبه أمة مر عليها ) حتى إذا بلغ ( في مسيره ذلك ) مطلع الشمس ) أي الموضع الذي تطلع عليه أولاً من المعمور من الأرض ) وجدها تطلع على قوم ( على ساحل البحر لهم قوة شديدة ) لم نجعل لهم ( ولما كان المراد التعميم، أثبت الجار فقال :( من دونها ) أي من أدنى الأماكن إليهم أول ما تطلع ) ستراً ( يحلة بينهم وبين المحل الذي يرى طلوعها منه من البحر من جبل ولا أبنية ولا شجر ولا غيرها.


الصفحة التالية
Icon