صفحة رقم ٥١
التي لا تناسب بينها، لأن الرؤيا تارة تكون من الملك وهي الصحيحة، وتارة تكون من تحريف الشيطان وتخليطاته، وتارة من حديث النفس ؛ ثم قالوا :( وما نحن ) أي بأجمعنا ) بتأويل ) أي ترجيع ) الأحلام ) أي مطلق الأضغاث وغيرها، وأعرقوا في النفي بقولهم :( بعالمين ( فدلسوا من غير وجه، جمعوا - وهي حلم واحد - ليجعلوها أضغاثاً لا مدلول لها، ونفوا عن أنفسهم ( العلم المطلق ) المستلزم لنفي ( العلم بالمقيد ) بعد أن أتوا بالكلام على هذه الصورة، ليوهموا أنهم ما جهلوها إلا لكونها أضغاثاً - والله أعلم ؛ والقول : كلام متضمن بالحكاية في البيان عنه، فإذا ذكر أنه قال، اقتضى الحكاية لما قال، وإذا ذكر أنه تكلم، لم يقتض حكاية لما تكلم به، ومادة ( حلم ) بجميع تقاليبها تدور على صرف شيء عن وجهه وعادته وما تقتضيه الجبلة - كما يأتي في الرعد في قوله :( ) شديد المحال ( ) [ الرعد : ١٣ ].
يوسف :( ٤٥ - ٤٧ ) وقال الذي نجا.....
) وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ يُوسُفُ أَيُّهَا الصِّدِّيقُ أَفْتِنَا فِي سَبْعِ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعِ سُنبُلاَتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ لَّعَلِّي أَرْجِعُ إِلَى النَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَعْلَمُونَ قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعُ سِنِينَ دَأَباً فَمَا حَصَدتُّمْ فَذَرُوهُ فِي سُنبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّا تَأْكُلُونَ ( ( )
ولما كان هذا حالاً مذكراً للساقي بيوسف عليع الصلاة والسلام - أخبر سبحانه بأنه ذكره بعد نسيانه، فقال عادلاً عن الفاء إيذاناً بأنه من الملا :( وقال الذي نجا ) أي خلص من الهلاك ) منهما ) أي من صاحبي السجن، وهو الساقي ) و ( الحال أنه ) ادكر ( - بالمهملة، أي طلب الذكر - بالمعجمة، وزنه افتعل ) بعد أمة ( من الأزمان، أي أزمان مجتمعة طويلة ) أنا أنبئكم ) أي أخبركم إخباراً عظيماً ) بتأويله ) أي بتفسير ما يؤول إليه معنى هذا الحلم وحده كما هو الحق، وسبب عن كلامه قوله :( فأرسلون ( رضي الله عنهما : ولم يكن السجن في المدينة، فأتاه فقال الساقي المرسل بعد وصوله إليه منادياً له بالنداء القرب تحبباً إليه :( يوسف ( وزاد في التحبب بقوله :( أيها الصديق ) أي البليغ في الصدق والتصديق لما يحق تصديقه بما جربناه منه ورأيناه لائحاً عليه ) أفتنا ) أي اذكر لنا الحكم ) في سبع ( وميز العدد بجمع السلامة الذي هو للقلة - كما مضى لما مضى - فقال :( بقرات سمان ) أي رآهن الملك ) يأكلهن سبع ) أي من البقر ) عجاف ) أي مهازيل جداً ) و ( في ) سبع سنبلات ( جمع سنبلة، وهي مجمع الحب من الزرع ) خضر و ( في سبع ) أخر ) أي من السنابل ) يابسات ( وساق جواب السؤال سياق الترجي إما جرياً على العوائد العقلاء في عدم البتّ في الأمور المستقبلة،