صفحة رقم ٥٢٧
حديث أنس بن مالك عن مالك بن صعصعة الأنصاري رضي الله عنهما في حديث الإسراء :( فلما خلصت فإذا يحيى وعيسى وهما ابنا خالة ) ثم أبدل من ) مريم ( بدل اشتمال قوله :( إذ ) أي اذكر ما اتفق لها حين ) انتبذت ) أي كلفت نفسها أن اعتزلت وانفردت ) من أهلها ( حالة ) مكاناَ شرقياً ( عن مكانهم، فكان انفرادها في جهة مطالع الأنوار إشارة إلى ما يأتيها من الروح الإلهي ) فاتخذت ) أي أخذت بقصد وتكلف، ودل على قرب المكان بالإتيان بالجار فقال :( من دونهم ) أي أدنى مكان في مكانهم لانفرادها للا غتسال أو غيره ) حجاباً ( يسترها ) فأرسلنا ( لأمر يدل على عظمتنا ) إليها روحنا ( جبرائيل عليه السلام ليعلمها بما يريد الله بها من الكرامة بولادة عيسى عليه السلام من غير أب، لئلا يشتبه عليها الأمر، ويتشعب بها الفكر، فتقتل نفسها غماً ) فتمثل لها ) أي تشبح وهو روحاني بصورة الجسماني ) بشراً سوياً ( في خلقه حسن الشكل لئلا تشتد نفرتها وروعها منه ؛ ثم أخرج القصة مخرج الاستئناف فقال دالاً على حزمها وخلوص تعبدها لله والتجائها إليه وشهودها له بحيث لا تركن إلى سواه :( قالت (.
ولما كان على أنهى ما يكون من الجمال والخلال الصالحة والكمال، فكان بحيث يستبعد غاية الاستبعاد أن يتعوذ منه أكدت فقالت :( إني أعوذ بالرحمن ( ربي الذي رحمته عامة لجميع عباده في الدنيا والآخرة، وله بنا خصوصية في إسباغ الرحمة وإتمام النعمة ) منك ( ولما تفرست فيه - بما أنار الله من بصيرتها وأصفى من سريرتها - التقوى، ألهبته وهيجته للعمل بمضمون هذه الاستعاذة بقولها :( إن كنت تقياً قال ( جبرئيل عليه السلام مجيباً لها بما معناه : إني لست ممن تخشين أن يكون متهماً، مؤكداً لأجل استعاذتها، ) إنما أنا رسول ربك ) أي الذي عذت به أي فأنا لست متهماً، متصف بما ذكرت وزيادة الرسلية، وعبر باسم الرب المتقضي للإحسان لطفاً بها، ولأن هذه السورة مصدره بالرحمة، ومن أعظم مقاصدها تعداد النعم على خلص عباده ) لأهب ( بأمره أو ليهب هو على القراءة الأخرى ) لك ( وقدم المتعلق تشويقاً إلأى المفعول ليكون أوقع في النفس ؛ ثم بينه معبراً بما هو أكثر خيراً وأقعد في باب البشرى وأنسب لمقصود السورة مع أنه لا ينافي ما ذكر في آل عمران بقوله :( غلاماً ) أي ولداً ذكراً في غايىة القوة والرجولية ) زكياً ( طاهراً من كل ما يدنس البش : نامياً على الخير والبركة ) قالت ( مريم :( أنّى ) أي من أين وكيف ) يكون لي غلام ( ألده ) ولم يمسسني بشر ( بنكاح أصلاً حلال ولا غيره بشبهة ولا غيرها.


الصفحة التالية
Icon