صفحة رقم ٥٢٩
لها، لأنها لا تحمل إلا بإلقاح من ذكور النخل، فحملها بمجرد هزها أنسب شيء لإتيانها بولد من غير والدن فكيف إذا كان ذلك في غير وقته فكيف إذا كانت يابسة مع ما لها فيها من المنافع بالاستناد إليها والاعتماد عليها، وكون رطبها خرسة للنفساء وغاية في نفعها وغير ذلك.
ولما كان ذلك أمراً صعباً عليها جداً، كان كأنه قيل : يا ليت شعري ما كان حالها ؟ فقيل :( قالت ( لما حصل عندها من خوف العار :( ياليتني مت ( ولما كانت كذلك أشارت إلى استغراق الزمان بالموت بمعنى عدم الوجود فقالت من غير جار :( قبل هذا ) أي الأمر العظيم ) وكنت نسياً ) أي شيئاً من شأنه أن ينسى ) منسياً ) أي متروكاً بالفعل لا يخطر على بال، فولدته ) فناداها من تحتها ( وهو عيسى عليه السلام ) ألا تحزني ( قال الرازي في اللوامع : والأصح أن مدة حملها له وولادته ساعة لأنه كان مبدعاً، ولم يكن من نطفة تدور في أدوار الخلقة - انتهى.
ونقله ابن كثير وقال :( ﷺ ) أنهم أنكروا عليها زمن الحمل، ولو علموا به لأنكروه ولو أنكروه لنقل كما نقل إنكار الولادة.
ولما أنكروا الولادة فكأنها قالت : لم لا أحزن ؟ وتوقعت ما يعلل به ؟ قال :( قد جعل ربك ) أي المحسن إليك ) تحتك ( في هذه الأرض التي لا ماء جارياً بها ) سرياً ( جدولاً من الماء جليلاً آية لك تطيب نفسك ) وهزي إليك ) أي أوقعي الهز وهو جذب بتحريك.
ولما كان المقصود التهويل لصرف فكرها عما دهمها من الهم جعله قاصراً فكأنها قالت : ما أهز ؟ إذ لم يكن في الجذع ما يتوقع نفعه بهزه، فقال مصرحاً بالمهموز :( بجدع النخلة ( التي أنت تحتها مع يبسها وكون الوقت ليس وقت حملها فكأنها قالت : ولم ذاك ؛ فقال :( تساقط عليك ( من أعلاها ) رطباً جنياً ( طرياً آية أخرى عظيمة تطيب النفس وتذهب بالحزن، وتدل على البراءة، والتعبير بصيغة التفاعل في قراءة لاجماعة وحمزة للدلالة علىأن التمر يسقط منها، ومن حقه أن يكون منتفياً لأنها غير متأهلة لذلك، فهو ظاهر في أنه على وجه خارق للعادة، وقراءة الجماعة بالإدغام تشير مع ذلك إلى أنه مع شدته يكاد أن يخفي كونه منها ليبسها وعدم إقنائها، وقراءة حمزة بالفتح والتخفيف تشير إلى سهولة تساقطه وكثرته، وقراءة حفص عن عاصم بالضم وكسر القاف من فاعل، تدل على الكثرة وأنه ظاهر في كونهه من فعلها.


الصفحة التالية
Icon