صفحة رقم ٥٤٦
) فسوف يلقون ) أي يلابسون - وعدا لا خلف فيه بعد طول المهلة - جزاء فعلهم هذا ) غيّاً ) أي شراً يتعقب ضلالاً عظيماً، فلا يزالون في عمى عن طريق الرشاد لا يستطيعون إليه سبيلاً، وهم على بصيرة من أنهم على خطأ وضلال، ولكنهم مقهورون على ذلك بما زين لهم منه حتى صارت لهم فيه أتم رغبة، وذلك أعظم الشر، ولم يزل سبحانه يستدرجهم بالنعم إلى أن قطعوا بالظفر والغلبة حتى أناخت بهم سطوات العزة، فأخذوا على غرة، ولا أنكأ من الأخذ على هذه الصفة بعد توطين النفس على الفوز، وهو من وادي قوله ) ) ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عمياً وبكماً وصماً ( ) [ الإسراء : ٩٧ ] مع قوله ) أسمع بهم وأبصر ( وجزاء من كان هذا ديدنه في الدنيا والآخرة معروف لكل من له أدنى بصيرة أنه العار ثم النار، وأيضاً فإن من ضل أخطأ طريق الفلاح من الجنة وغيرها فخاب، ومن خاب فقد هلك ؛ قال أبو علي الجبائي : والغي هو الخيبة في اللعنة - انتهى.
ويجوز أن يراد بالغي الهلاك، إما من قولهم - أغوية - وزن أثفية - أي مهلكة، وإما من تسمية الشيء باسم ما يلزمه.
مريم :( ٦٠ - ٦٥ ) إلا من تاب.....
) إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ شَيْئاً جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً لاَّ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلاَّ سَلاَماً وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيّاً تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلاَّ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً رَّبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيّاً ( ( )
ولما أخبر تعالى عنهم بالخيبة، فتح لهم باب التوبة، وحداهم إلى غسل هذه الحوبة، بقوله :( إلا من تاب ) أي مما هو عليه من الضلال، بإيثار سفساف الأعمال، على أوصاف الكمال، فحافظ على الصلاة، وكف نفسه عن الشهوات ) وءامن ( بما أخذ عليه به العهد ) وعمل ( بعد إيمانه تصديقاً له ) صالحاً ( من الصلوات والزكاة وغيرها، ولم يؤكدهما لما أفهمته التوبة من إظهار عمل الصلاة التي هي أم العبادات ) فأولئك ( العالو الهمم، الطاهر والشيم ) يدخلون الجنة ( التي وعد المتقون ) ولا يظلمون ( من ظالم ما ) شيئاً ( من أعمالهم ؛ ثم بينها بقوله :( جنات عدن ) أي إقامة لا ظعن عنها بوجه من الوجوه ) التي وعد الرحمن ( الشامل النعم ) عباده ( الذين هو أرحم بهم من الوالدة ولدها ؛ وعبر عنهم بوصف العبودية للإشعار بالتحنن، وعداً كائناً ) بالغيب ( الذي لا اطلاع لهم عليه أصلاً إلا من قبلنا، فآمنوا به فاستحقوا ذلك بفضله سبحانه على إيمانهم بالغيب.


الصفحة التالية
Icon