صفحة رقم ٥٥٩
كان من العبد من يعصي على سيده، عبر بالإتيان فقال :( ءاتي الرحمن ( العام بالإحسان، أي منقاد له طوعاً أو كرهاً في كل حالة وكل وقت ) عبداً ( مسخراً مقهوراً خائفاً راجياً، فكيف يكون العبد ابناً أو شريكاً ؟ فدلت الآية على التنافي بين العبودية والولدية، فهي من الدليل على عتق الولد والوالد إذا اشتريا.
مريم :( ٩٤ - ٩٨ ) لقد أحصاهم وعدهم.....
) لَّقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلَسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُّدّاً وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً ( ( )
ولما كان من المستبعد معرفة الخلائق كلهم، أتبعه بقوله :( لقد ) أي والله لقد ) أحصاهم ( كلهم إحاطة بهم ) وعدهم ( ولما كان ذلك لا يكاد يصدق، أكده بالمصدر فقال :( عداً ( قبل خلقهم من جميع جهات العبد ولوازمها، فلم يوجد ولم يولد، ولم يعد أو يصب أحد منهم إلا في حينه الذي عده له، وقد يكون الإحصاء قبل الوجود في عالم الغيب والعد بعد الوجود ) وكلهم ) أي وكل واحد منهم ) ءاتيه يوم القيامة ( بعد بعثه من الموت ) فرداً ( على صفة الذل، موروثاً ماله وولده الذي كنا أعطيناه في الدنيا قوة له وعزاً، لأنه لا موجود غيره يقدر على حراسة نفسه من الفناء، فهو لا شك في قبضته، فكيف يتصور في بال أو يقع في خيال أن يكون شيء من ذلك له ولداً أو معه شريكاً.
ولما عم بهذا الحكم الطائع والعاصي، وكان ذلك محزناً لأهل الطاعة باستشعار الذل في الدارين، تحركت النفس إلى معرفة ما أفادتهم الطاعة، واستأنف الجواب لذلك مبشراً لهم بقوله :( إن الذين آمنوا وعملوا ( تصديقاً لادعائهم الإيمان، الأعمال ) الصالحات سيجعل ( تحقيقاً عما قليل عند بيعة العقبة ) لهم الرحمن ( الذي خصهم بالرضا بعد أن عمهم بالنعمة، جزاء على انقيادهم له، لأنه كان إما باختيارهم وإما برضاهم ) وداً ) أي حباً عظيماً في قلوب العباد، دالاً على ما لهم عندهم من الود ؛ قال الأصبهاني : من غير تودد منهم ولا تعرض للأسباب التي تكسب بها الناس مودات القلوب من قرابة أو صدقة أو اصطناع غيره أو غير ذلك، وإنما هو اختراع ابتدأ اختصاصاً منه لأوليائه بكرامة خاصة كما قذف في قلوب أعدائهم الرعب والهيبة إعظاماً لهم وإجلالاً لمكانهم - انتهى.
والمراد - والله أعلم - أنه لا يجعل سبحانه في قلب أحد من عباده الصالحين عليهم إجنة، لأن الود - كما قال الإمام أبو الحسن الحرالي : خلو