صفحة رقم ٦٢
فنجيتهم باسمك لتظهر عجائبك، زجر البحر الأحمر فجف، أجازهم في اللجج كأنهم في البر، خلصهم من أيدي الأعداء، وأنقذهم من أيدي المبغضين، وأطلق الماء على مبغضيهم فلم يبق منهم واحد، فآمنوا بكلامه، ومجدوا بسبحته.
ثم أسرعوا فنسوا أعماله، ولم ينتظروا إرادته، اشتهوا شهوة في البرية، جربوا الله حيث لا ماء، فأعطاهم سؤلهم، وأرسل شبعاً لنفوسهم، أغضبوا موسى في المعسكر وهارون قديس الرب، انفتحت الأرض، وابتلعت داثان، وانطبقت على جماعة بيرون، واشتعلت النار في محافلهم، وأحرق اللهيب الخطأة، صنعوا عجلاً في حوريب، وسجدوا للمنحوت، وبدلوا مجدهم بشبه عجل يأكل عشباً، ونسوا الله الذي نجاهم، وصنع العظائم بمصر والعجائب في أرض حام، والمهولات في البحر الأحمر، قال : إنه يهلكهم لولا موسى صفيه قام بين يديه ليصرف سخطه، لئلا يستأصلهم، ورذلوا الأرض الشهيه، ولم يؤمنوا بكلمته، وتقمقموا في مضاربهم، ولم يسمعوا قول الرب، فرفع يده عليهم ليهلكهم في البرية، ويفرق ذريتهم في الأمم، ويبددهم في البلدان، لأنهم قربوا لباعل فاغور، وأكلوا ضحايا ميتة، وأسخطوه بأعمالهم، وكثر الموت فيهم بغتة، فقام فنحاس واستغفر لهم، فارتفع الموت عنهم، فحسب ذلك برّاً لجيل بعد جيل إلى الأبد، ثم أسخطوه على ماء الخصام، وتألم موسى لأجلهم، وأغضبوا روحه، وخالفوا كلام شفتيه، ولم يستأصلوا الأمم الذين أمرهم الرب، واختلطوا بالشعوب وتعلموا أعمالهم، فكانت عِشرة لهم، ذبحوا بنيهم وبناتهم للشياطين، وضحوا لأصنام كنعان، ودنسوا الأرض بالدماء، وتنجسوا بأعمالهم، وزنوا بأفعالهم، فاشتد غضب الرب على شعبه، ورذل ميراثه، فأسلمهم في أيدي الشعوب، وسلط عليهم شناتهم، واستعبدهم أعداؤهم وخضعوا تحت أيديهم، مراراً كثيرة بجاهم، وهم يسخطونه بأفكارهم، وذلوا بسيئاتهم - انتهى ؛ على أنك إذا تأملت وجدت أن الله تعالى يعلي كعب الغريب الذي يستذلونه ويحل سعده ويؤثل مجده - كما فعل بيوسف عليه الصلاة والسلام بعد السجن وببني إسرائيل بعد الاستعباد، وهو نعم المولى ونعم النصير فليحذر الساكن بها من أن يغلب عليه طبعها فيتصف بكل ذلك من قلة الغيرة وبغض الغريب، والجرأة في الباطل استصناعاً ومداهنة، والجبن في الحق، وكمال الذل للجبارين، والمجمجة في الكلام، بأن لا يزال يتعهد نفسه بأوامر الله ويحملها على طاعته، واتباع رسوله ومحبته، والنظر في سيرته وسير أتباعه، والتعشق لذلك كله، حتى يصير ه طبعاً يسلخه من طبع البلد، كما فعل عُبادها، وأهل الورع منها وزهادها - أعاذنا الله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ونسأله أن يختم لنا بالصالحات، وأن يجعلنا من الذين لا خوف عليهم أبداً.