صفحة رقم ٦٩
عريقون في هذا الوصف، فكأنه قيل : ما فعل في هذا بعد ما فعلوا إذ أرسل معهم يوسف عليه الصلاة والسلام ؟ قيل : عزم على إرساله معهم، ولكنه أظهر اللجاء إلى الله تعالى في أمره غير قانع بوعدهم المؤكد في حفظه، لما سبق منهم من مثله في يوسف عليه الصلاة والسلام بأن ) قال هل آمنكم ) أي أقبل منكم الآن وفي مستقبل الزمان تأمينكم لي فيه مما يسوءني تأميناً مستعلياً ) عليه ) أي بنيامين ) إلا كما آمنتكم ) أي في الماضي ) على أخيه ) أي يوسف عليه الصلاة والسلام.
ولما كان لم يطلع يوسف عليه الصلاة والسلام على خيانة قبل ما فعلوا به، وكان ائتمانه لهم عليه إنما هو زمان يسير، أثبت الجار فقال :( من قبل ( فإنكم أكدتم غاية التأكيد فلم تحفظوه لي ولم تردوه إليّ - والأمن : اطمئنان القلب إلى سلامة النفس - فأنا في هذا لا آمن عليه إلا الله ) فالله ) أي المحيط علماً وقدرة ) خير حافظاً ( منكم ومن كل أحد ) وهو ) أي باطناً وظاهراً ) أرحم الراحيمن ( فهو أرحم بي من أن يفجعني به بعد مصيبتي بأخيه ؛ فأرادوا تفريغ ما قدموا به من الميرة ) ولما فتحوا ) أي أولاد يعقوب عليه الصلاة والسلام ) متاعهم ) أي أوعيتهم التي حملوها من مصر ) وجدوا بضاعتهم ) أي ما كان معهم من كنعان بشراء القوت.
ولما كان المفرح مطلق الرد.
بنى للمفعول قوله :( ردت إليهم ( والوجدان : ظهور الشيء للنفس بحاسة أو ما يغني عنها، فكأنه قيل : ماقالوا ؟ فقيل :( قالوا ) أي لأبيهم ) ياأبانا ما ) أي أي شيء ) نبغي ) أي نريد، فكأنه قال لهم : ما الخبر ؟ فقالوا بياناً لذلك وتأكيداً للسؤال في استصحاب أخيهم :( هذه بضاعتنا ( ثم بينوا مضمون الإشارة بقولهم :( ردت إلينا ( هل فوق هذا من إكرام.
ولما كان التقدير : فنرجع بها إليه بأخينا، فيظهر له نصحنا وصدقنا، بنى عليه قوله :( ونمير أهلنا ) أي نجلب إليهم الميرة برجوعنا إليه ؛ والميرة : الأطعمة التي تحمل من بلد إلى بلد ) ونحفظ أخانا ( فلا يصيبه شيء مما يخشى عليه، تأكيداً للوعد بحفظه وبياناً لعدم ضرر في سفره، ويدل على ما في التوراة - من أنه كان سجن أحدهم ليأتوا بأخيهم الأصغر - قوله :( ونزداد كيل بعير ) أي فيكون جملة ما نأتي به بعد الرجوع إليه اثني عشر حملاً، لكل منا حمل، وللمسجون حملان - لكرّته الإولى والثانية، وذلك أنه كان لا يعطي إلا حملاً لكل رأس، فكأنه ما أعطاهم لما جهزهم غير تسعة أحمال، فكأنه قيل : وهل يجيبكم إلى ذلك في هذه الأزمة ؟ فقالوا : نعم، لأن ) ذلك كيل يسير ( بالنسبة إلى ما رأينا من كرم شمائله وضخامه ملكه وفخامه همته، فكأنه قيل : فما قال لهم ؟ فقيل :( قال ) أي يعقوب عليه الصلاة والسلام ) لن أرسله (


الصفحة التالية
Icon