صفحة رقم ٧٣
كتابه، وأمر بها أول كل شيء ؛ وروى أبو نعيم في الحيلة في ترجمة إمامنا الشافعي بسنده إليه ثم إلى علي ابن أبي طالب رضي الله عنه أنه خطب الناس يوماً فقال في خطببته : وأعجب ما في الإنسان قلبه، ولو مواد من الحكمة وأضداد من خلافها، فإن سنح له الرجاء أولهه الطمع.
وإن هاج به الطمع أهلكه الحرص، وإن ملكه اليأس قتله الأسف، وإن عرض له الغضب اشتد به الغيظ، وإن أسعد بالرضى نسي التحفظ وإن ناله الخوف شغله الحزن، وإن أصابته مصيبة قصمه الجزع، وإن أفاد مالاً أطغاه الغنى، وإن عضته فاقة شغله البلاء، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أجهده الجوع قعد به الضعف، وإن أفرط به الشبع كظته البطنة، فكل تقصير به مضر.
وكل إفراط له مفسد.
قال : فقام إليه رجل ممن كان شهد معه الجمل، فقال : يا أمير المؤمنين ؟ اخبرنا عن القدرن فقال : بحر عميق فلا تلجه، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر، فقال بيت مظلم فلا تدخله، فقال : يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر، فقال : سر الله فلا تتكلفه، فقال : يا أمير المؤمنين اخبرنا عن القدر، فقال : أما إذا أبيت فإنه أمر بين أمرين، لا جبر ولا تفويض، فقال : يا أمير المؤمنين إن فلاناً يقول بالاستطاعة وهو حاضرك، فقال : عليّ به فأقاموه، فلما رآه سل من سيفه قدر أربع أصابع فقال : الاستطاعة تملكها مع الله أو من دون الله ؟ وإياك أن تقول أحدهما فترتد فأضرب عنقك فقال : فما أقول يا أمير المؤمنين ؟ قال : قل : أملكها بالله الذي إن شاء ملكنيها.
وسيأتي إن شاء الله تعالى في سورة الحج عند
٧٧ ( ) إن الله يفعل ما يشاء ( ) ٧
[ الحج : ١٧ ] ما يتصل بهذا.
ولما قصر الأمر كله عليه سبحانه، وجب رد كل أمر إليه، وقصر النظر عليه، فقال منبهاً على ذلك :( عليه ) أي على الله وحده الذي ليس الحكم إلا له ) توكلت ) أي جعلته وكيلي فرضيت بكل ما يفعله ) وعليه ) أي وحده ) فليتوكل المتوكلون ) أي الثابتون في باب التوكل، فإن ذلك من أعظم الواجبات، من فعله فاز، ومن أغفله خاب، ثم إنه سبحانه صدق يعقوب فيما قال، مؤكداً لما أشار إلى اعتقاده، فقال :( ولما ( وعطفه بالواو يدل على أنهم ما أسرعوا الكرة في هذه المرة خوفاً من أن يقول لهم : لم يفرغ ما عندكم حتى تضطروا إلى الاستبدال به، والزمان زمان رفق، لا زمان تبسط ) دخلوا ) أي أخوة يوسف عليه الصلاة والسلام عند وصولكم إلى مصر ) من حيث أمرهم ) أي به ) أبوهم ( من أبواب متفرقة، قالوا : وكان لمصر أربعة أبواب ) ما كان ( ذلك الدخول ) يغني ) أي يدفع ويجزي ) عنهم من الله ) أي الملك الأعلى الذي لاراد لامره، وأعرق في النفي فقال :( من شيء ( كما تقدم من قول يعقوب عليه الصلاة والسلام ) إلا حاجة ) أي شيئاً غير أتم حاجة ) في نفس يعقوب ( وهو الدخول


الصفحة التالية
Icon