صفحة رقم ٧٦
ولما أخبر تعالى عن دخولهم إلى البلد، أخبرعن دخولهم لحاجتهم إلى يوسف عليه الصلاة والسلام فقاتل :( ولما دخلوا ) أي بنوه عليه الصلاة والسلام ) على يوسف ( في هذه القدمة الثانية ) آوى إليه أخاه ( شقيقه بنيامين بعد أن قالوا له : هذا أخونا الذي أمرتنا به قد أحضرناه، فقال : أصبتم، وستجدون ذلك عندي ؛ والإيواء : ضم النفس بالتصيير إلى موضع الراحة، وسبب إيوائه إليه أنه أمر كل اثنين منهم أن يأكلوا على حدة، فبقي بنيامين بلا ثان، فقال : هذا يأكل معي، ثم قال ليا : وكل اثنين منكم في بيت من خمسة أبيات أفردها لهم، وهذا الوحيد يكون معي في بيتي، وهذا التفريق موافق لما أمرهم به أبوهم في تفريق الدخول، فكأنه قيل : ماذا قال له، هل أعلمه بنفسه أو كتم ذلك عنه كما فعل بسائر إخوته ؟ فقيل : بل ) قال ( معلماً له، لأنه لا سبب يقتضي الكتم عنه - كما سيأتي بيانه، مؤكداً لما للأخ من إنكاره لطول غيبته وتغير أحواله وقطع الرجاء منه :( إني أنا أخوك ( يوسف : ثم سبب عن ذلك قوله :( فلا تبتئس ) أي تجتلب البؤس.
وهو الكراهة والحزن ) بما كانوا ) أي سائر الإخوة، كوناً هم راسخون فيه ) يعلمون ( مما يسوءنا وإن زعموا أنهم بنوا ذلك العمل على علم، وقد جمعنا له خير ما يكون عليه الاجتماع، ولا تعلمهم بشيء من ذلك، ثم إنه ملأ لهم أوعيتهم كما أرادوا.
وكأنه في المرة الأولى أيضاً في تجهيزهم ليتعرف أخبارهم في هذه المرة من حيث لا يشعرون، ولذلك لم يعطف بالفاء، وأسرع في تجهيزهم في هذه المرة قصداً إلى انفراده بأخيه من غير رقيب بالحيلة التي دبرها.
فلذلك أتت الفاء في قوله :( فلما جهزهم ) أي أعجل جهاز وأحسنه ) بجهازهم ( ويؤيده
٧٧ ( ) فلما جاء أمرنا ( ) ٧
[ هود : ٦٦ و ٨٢ ] في قصتي صالح ولوط عليهما الصلاة والسلام - كما مضى في سورة هود عليه الصلاة والسلام ) جعل ) أي بنفسه أو بمن أمره ) السقاية ( التي له.
وهي إناء يسقي به ) في رحل أخيه ( شقيقه، ليحتال بذلك على إبقائه عنده مع علمه بأن البصير لا يقضي بسرقته بذلك، مع احتمال أن يكون الصواع دس في رحله بغير علمه كما فعل ببضاعتهم في المرة الأولى، وأما غير البصير فضرر ثبوت ذلك في ذهنه مفتقر لأنه يسير بالنسبة إلى ما يترتب عليه من النفع من ألف إخوته بيوسف عليه الصلاة والسلام وزوال وحشتهم منه بإقامته عنده - كما سيأتي مع مزيد بيان - هذا مع تحقق البراءة عن قرب، فهو من باب ارتكاب أخف الضررين، ثم أمهلهم حتى انطلقوا، ثم أرسل إليهم فحبسوا ) ثم ) أي بعد انطلاقهم وإمعانهم في السير ) أذن ) أي أعلم فيهم بالنداء ) مؤذن ( قائلاً برفيع صوته وإن كانوا في غاية القرب منه - بما يدل عليه إسقاط الأداة :( أيتها العير ) أي أهلها، وأكد لما لهم من


الصفحة التالية
Icon