صفحة رقم ٨٨
) ياأبانا ( وأكدوا مقالتكم فإنه ينكرها لكم فقولوا :( إن ابنك ) أي شقيق يوسف عليه الصلاة والسلام الذي هو أكملنا في النبوة عندك ) سرق (.
ولما كانوا في غاية الثقة من أن أحداً منهم لا يلم بمثل ذلك، اشاروا إليه بقولهم :( وما شهدنا ) أي في ذلك ) إلا بما علمنا ( ظاهراً من رؤيتنا الصواع يخرج من وعائه ؛ والشهادة : الخبر عن إحساس قول أو فعل، وتجوز الشهادة بما أدى إليه الدليل القطعي ) وما كنا للغيب ) أي الأمر الذي غاب عنا ) حافظين ( فلعل حيلة دبرت في ذلك غاب عنا علمها كما صنع في رد بضاعتنا ) واسأل القرية ) أي أهلها وجدرانها إن كانت تنطق ) التي كنا فيها ( وهي مصر، عما أخبرناك به يخبروك بصدقنا، فإن الأمر قد اشتهر عندهم ) و ( اسأل ) العير ) أي أصحابها وهم قوم من كنعان جيران يعقوب عليه الصلاة والسلام ) التي أقبلنا فيها ( والسؤال : طلب الإخبار بأداته من الهمزة وهل ونحوهما، والقرية : الأرض الجامعة لحدود فاصلة، وأصلها من قريت الماء، أي جمعته، وسيأتي شرح لفظها آخر السورة، والعير : قافلة الحمير، من العير - بالفتح، وهو الحمار، هذا الأصل - كما تقدم ثم كثر حتى استعمل في غير الحمير.
ولما كان ذلك جديراً بالإنكار لما يتحقق من كرم أخيهم، أكدوه بقولهم :( وإنا ) أي والله ) لصادقون ( فكأنه قيل : فرجعوا إلى أبيهم وقالوا ما قال لهم كبيرهم، فكأنه قيلك فما قال لهم ؟ فقيل :( قال بل ) أي ليس الأمر كذلك، لم تصح نسبة ابني إلى السرقة ظاهراً ولا باطناً، أي لم يأخذ شيئاً من صاحبه في خفاء بل ) سولت ) أي زينت تزييناً فيه غي ) لكم أنفسكم أمراً ) أي حدثتكم بأمر ترتب عليه ذلك، والأمر : الشيء الذي من شأنه أن تأمر النفس به، وكلا الأمرين صحيح، أما النفي فواضح، لأن بنيامين لم يسرق الصواع ولا همّ بذلك، ولذلك لم ينسبه يوسف عليه الصلاة والسلام ولا مناديه إلى ذلك بمفرده، وأما الإثبات فأوضح، لأنه لولا فعلهم بيوسف عليه الصلاة والسلام لما سولت لهم فيه أنفسهم لم يقع هذا الأمر لبنيامين عليه السلام ) فصبر جميل ( مني، لأن ظني في الله جميل، وفي قوله :( عسى الله ) أي المحيط بكل شيء قدرة وعلماً ) أن يأتيني بهم ) أي بيوسف وشقيقه بنيامين وروبيل ) جميعاً ( ما يدل الفطن على أنه تفرس أن هذه الأفعال نشأت عن يوسف عليه الصاة والسلام، وأن الأمر إلى سلامة واجتماع ؛ ثم علل ذلك بقوله :( إنه هو ) أي وحده ) العليم ) أي البليغ العلم بما خفي علينا من ذلك، فيعلم أسبابه الموصلة إلى المقاصد ) الحكيم ) أي البليغ في إحكام الأمور في ترتيب الأسباب بحيث لا يقدر أحد على نقض ما أبرمه منها، وترتيب الوصفين على غاية الإحكام - كما ترى - لأن الحال داع إلى العلم بما


الصفحة التالية
Icon