صفحة رقم ٩٢
واوياً : تاف بصره يتوف : تاه - كأنه لسلب الشدة أو المعنى أنه وقع في توقة، أي شدة، وما فيه توفة - بالضم - ولا تافة : عيب أو مزيد أو حاجة وأبطأ وكل ذلك يدل على شدته، وطلب علي توفة بالفتح، : عثرة وذنباً - من ذلك لأن العثرة والذنب لا يصيبان شيئاً إلا عن شدتهما وضعفه ؛ ومن مقلوبه مهموزاً : الأفت - بالفتح : النافة التي عندها من الصبر والبقاء ما ليس عند غيرها، والسريع الذي يغلب الإبل على السير، والكريم من الإبل - ويكسر - والداهية والعجب، وكل ذلك واضح في القوة، والإفت - بالكسر : الأول - لأنه أصل كل معدود، وأفته عن كذا : صرفه.
ولما أخبرهم عليه السلام أن علمه فوق علمهم، أتبعه اشتئنافاً ما يدل عليه فقال :( يابني اذهبوا ( ثم سبب عن هذا الذهاب وعقب به قوله :( فتحسسوا ) أي بجميع جهدكم ) من يوسف وأخيه ) أي اطلبوا من أخبارهم بحواسكم لعلكم تظفرون بهما، وهذا يؤكد ما تقدم من احتمال ظنه أن فاعل ذلك يوسف - عليهم الصلاة والسلام.
ولما لم يكن عندهم من العلم ما عنده، قال :( ولا تيأسوا ) أي تقنطوا ) من روح الله ) أي الذي له الكمال كله ؛ والروح - قال الرماني - يقع بريح تلذ، وكأن هذا أصله فالمراد : من رحمته وفرجه وتيسره ولطفه في جمع الشتات وتيسير المراد ؛ ثم علل هذا النهي بقوله :( إنه لا يبأس ) أي لا يقنط ) من روح الله ) أي الذي له جميع صفات الجلال والإكرام ) إلا القوم ) أي الذين لهم قوة المحاولة ) الكافرون ) أي العريقون في الكفر، فأجابوه إلى ما أراد، قتوجهوا إلى مصر لذلك ولقصد الميرة لما كان اشتد بهم من القحط، وقصدوا العزيز ؛ وقوله :( فلما دخلوا عليه ( بالفاء يدل على أنهم أسرعوا الكرة في هذه المرة ) قالوا ( منادين بالأداة التي تنبه على أن ما بعدها له وقع عظيم ) يا أيها العزيز (.
ولما تلطفوا تعظيمه، ترققوا بقولهم :( مسنا ) أي أيتها العصابة التي تراها ) وأهلنا ) أي الذين تركناهم في بلادنا ) الضر ) أي لابسنا ملابسة نحسها ) وجئنا ببضاعة مزجاة ) أي تافهة غير مرغوب فيها بوجه، ثم سببوا عن هذا الاعتراف - لأنه أقرب إلى رحمة أهل الكرم - قولهم :( فأوف لنا ) أي شفقة علينا بسبب ضعفنا ) الكيل وتصدق ) أي تفضيل ) علينا ( زيادة على الوفاء كما عودتنا بفضل ترجو ثوابه.
ولما رأوا أفعاله تدل على تمسكه بدين الله، عللوا ذلك بقولهم :( إن الله ) أي الذي له الكمال كله ) يجزي المتصدقين ) أي مطلقاً وإن أظهرت - بما أفاد الإظهار - وإن كانت على غنى قوي، فكيف إذا كانت على أهل الحاجة والضعف.


الصفحة التالية
Icon