صفحة رقم ١١١
) واحدة ( كما في الخبر أنهم أولاد علات.
أمهاتهم شتى ودينهم واحد.
لا اختلاف بينهم أصلاً في التوحيد الذي هو الأصل ولا في توجيه الرغبات إلينا، وقصر النظر علينا، علماً منهم بما لنا من صفات الكمال، وأن كل شيء فإلينا مفتقر، ولدينا خاضع منكسر، فاتبعوهم في ذلك، لا تحيدوا عنهم تضلوا، وإنما فرقناهم وجعلناهم عدداً بحب الأمم المتشعبة في الأزمان المتطاولة، وأنا لم نجعل لأحد منهم الخلد، ولغير من الحكم، فبثثاناهم في الأقطار، حتى ملؤوها من الأنوار.
ولما كان المقصود تعيين المراد من غير لبس، عدل عن صيغة العظمة فقال :( وأنا ربكم ) أي لا غيري، في كل زمان وكل مكان، لكل أمة، لأني لا أتغير على طول الدهر، ولا يشغلني شأن عن شأن ) فاعبدون ( دون غيري فإنه لا كفوء لي.
ولما كان من المعلوم أنهم لم يفعلوا، أعرض إلى أسلوب الغيبة إيذاناً بالغضب، فكان التقدير في جواب من كأنه قال : ما فعلوا ؟ : لم يطيعواأمري في الاجتماع على ما جمعتهم عليه من عبادتي التي هي سبب لجلب كل خير، ودفع كل ضير ولا افتدوا في ذلك بالكمّل من عبادي، فعطف عليه قوله ) وتقطعوا ) أي مخالفة للأمر بالاجتماع ولما كان الدين الحق من الجلاء والعظمة والملاءمة للنفوس بحيث لا يجهله ولا يأباه أحد نصح لنفسه وإن جهله، كفي أدنى تنبيه في المبادرة إليه وترك ما سواه كائناً ما كان، فكان خروج الإنسان عنه بعد أن كان عليه في غاية البعد فضلاً عن أن يتكلف ذلك بمنازعة غيره المؤدية إلى الافتراق والتباغض ولا سيما إن كان ذلك الغير قريبة أو صديقه، وكانت صيغة التفعل من القطع صريحة في التفرق، وتفيد العلاج والتلكف، وكانت تأتي بمعنى التفعيل والاستفعال، عبر بها.
ولما كان البعد أن يقطع الإنسان أمر نفسه، كان تقديم الأمر أهم فقال :( أمرهم ( فنصبه بفعل التقطع لأنه بمعنى التقطيع واقعاً منهم بهم وأن يكون مستغرقاً لظرفه، قال :( بينهم ) أي فكانوا فرقاً كل فرقة على شعبة من ضلال، زينها لها هواها، فلم يدعوا شيئاً من الأمر بغير تقطيع، وكان العطف بالواو دون الفاء كما في المؤمنون لأن ترك العبادة ليس سبباً للتقطع، بل ربما كان عنه الاجتماع على الضلال، كما يكون في آخر الزمان وكما قال تعالى
٧٧ ( ) كان الناس أمة واحدة ( ) ٧
[ البقرة : ٢١٣ ] الآية
٧٧ ( ) وما تفرق الذي أتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة ( ) ٧
[ البينة : ٤ ].


الصفحة التالية
Icon