صفحة رقم ١١٢
ولما كان كأنه قيل : فماذا يفعل بهم ؟ قال ما هو غاية في الدلالة على باهر العظمة وتام القدرة ليكون أشد في الوعيد، وصادع التهديد :( كل ) أي من هذه الفرق وإن بالغ في التمرد ) إلينا ( على عظمتنا التي لا يكافئها شيء، لا إلى غيرنا ) راجعون ( فنحكم بينهم فيتسبب عن ذلك أنا نجازيهم إقامة للعدل فنعطي كلاًّ من المحق التابع لأصفيائنا والمبطل المائل إلى الشياطين أعدائنا ما يستحقه، وذلك هو معنى قوله تعالى، فارقاً بين المحسن والمسيء تحقيقاً للعدل وتشويقاً بالفضل :( فمن يعمل ) أي منهم الآن من ) الصالحات وهو ) أي والحال أنه ) مؤمن ) أي بان لعمله على الأساس الصحيح ) فلا كفران ) أي إبطال بالتغطية ) لسعيه ( بل نحن نجزيه عليه بما يستحقه ونزيده من فضلنا ) وإنا له ) أي لسعيه الآن على عظمتنا ) كاتبون ( وما كتبناه فهو غير ضائع، بل باق، لنطلعه على يوم الجزاء بعد أن نعطيه قدرة على تذكره، فلا يفقد منه شيئاً قل أو جل، ومن المعلوم أن قسمية ( ومن يعمل من السيئات وهو كافر فلا نقيم له وزناً ) و ( من عمل منها وهو مؤمن فهو في مشيئتنا )، ولعله حذف هذين القسمين ترغيباً في الإيمان.
ولما كان هذا غير صريح في ان هذا الرجوع بعد الموت، بينه بقوله :( وحرام ) أي وممنوع ومحجور ) على قرية ) أي أهلها ) أهلكناها ) أي بالموت بعظمتنا ) أنهم لا يرجعون ) أي إلينا بأن يذهبوا تحت التراب باطلاً من غير إحساس، بل إلينا بموتهم رجعوا فحبسناهم في البرزخ منعمين أو معذبين نعيماً وعذاباً دون النعيم والعذاب الأكبر، ولقد دل على قدرته قوله :( حتى إذا فتحت ( بفتح السد الذي تقدم وصفنا له، وأن فتحه لا بد منه وقراءة ابن عامر بالتشديد تدل على كثرة التفتيح أو على كثرة الخارجين من الفتح وإن كان فرحة واحدة كما أشار إطلاق قراءة الجماعة بالتخفيف ) يأجوج ومأجوج ( فخرجوا على الناس ؛ وعبر عن كثرتهم التي لا يعلمها إلا هو سبحانه بقوله :( وهم ) أي والحال أنهم ) من كل حدب ) أي نشز عال من الأرض ) ينسلون ) أي يسرعون، من النسلان وهو تقارب الخطا مع السرعة كمشي الذئب، وفي العبارة إيماء إلى أن الأرض كرية ) واقتر الوعد الحق ( وهو حشر الأموات الذي يطابقه الواقع، إذا وجد قرباً عظيماً، كأن الوعد طالب له ومجتهد فيه.
ولما دلت صيغة ( افتعل ) على شدة القرب كما في الحديث أن الساعة إذ ذاك مثل الحامل المتمّ، علم أن التقدير جواباً لإذا : كان ذلك الوعد فقام الناس من قبورهم :( فإذا هي شاخصة ) أي واقفة جامدة لا تطرف لما دهمهم من الشدة، ويجوز وهو أقرب أن تكون إذا هذه الفجائية هي جواب إذا الشرطية، وهي تقع في المجازات سادة مسد الفاء، فإذا جاءت الفاء معها متفاوتة على وصل الجزاء بالشرط فيتأكد، فالمعنى :


الصفحة التالية
Icon