صفحة رقم ١١٧
) وعداً ( وأكد بقوله :( علينا ( وزاده بقوله :( إنا كنا ) أي أزلاً وأبداً، على حالة لا تحول ) فاعلين ) أي شأننا أن نفعل ما نريد، لا كلفة علينا في شيء من ذلك بوجه.
ولما ذكر صدقه في الوعد وسهولة الأفعال عليه، وكان من محط كثير مما مضى أن من فعل ما لا يرضي الله غيّر عليه، كائناً من كان، ومن فعل ما أمره به نصره وأيده ولو بعد حين، كما أشير إليه بقوله تعالى ) قل ربي يعلم القول في السماء والأرض ( وما بعده من أشكاله، حتى ختم بقوله ) أولم يروا أنا نأتي الأرض ننقصها ( الآية، قال تعالى عاطفاً على ) لقد أنزلنا إليكم كتاباً فيه ذكركم ( وما عطف عليه من أشباهه مذكراً بما وعد على لسان داود عليه السلام :( ولقد كتبنا ) أي على عظمتنا التي نفوذها محقق لا تخلف له أصلاً ) في الزبور ) أي الذي أنزلناه على داود عليه السلام.
ولما كان المكتوب المشار إليه لم يستغرق ما بعد الذكر المراد من هذا الزبور، أشار إلى التبعيض بإثبات الجار فقال :( من بعد الذكر ) أي الكلام الداعي إلى الله تعالى الدال عليه من الدعاء والمواعظ والتسبيح والتمجيد الذي ابتدأنا به الزبور ) أن الأرض ( اي جنسها الشامل لبقاع أرض الدنيا كلها ولأرض المحشر والجنة وغير ذلك مما يعلمه الله ) يرثها عبادي ( وحقق ما أفادته إضافتهم إليه من الخصوص بقوله :( الصالحون ) أي المتخلفون بأخلاق أهل الذكر، المقبلين على ربهم، الموحدين له، المشفقين من الساعة، الراهبين من سطوته، الراغبين في رحمته، الخاشعين له - كما أشرنا إليه بقولنا ) قل ربي يعلم القول ( وما ضاهاه وبذكر ما سلف في هذه السورة من شاهد ذلك من قصص هؤلاء الأنبياء الذي ضمنّاها بعض أخبارهم دلالة على أن العاقبة لمن ارضانا
٧٧ ( ) لنهلكن الظالمين ولنسكننكم الأرض من بعدهم ( ) ٧
[ إبراهيم : ١٤ ]
٧٧ ( ) إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده ( ) ٧
[ الأعراف : ١٢٨ ]
٧٧ ( ) أولئك هم الوارثون الذين يرثون الفردوس ( ) ٧
[ المؤمنون : ١١ ] وفي هذا إشارة بالبشارة بأنه تعالى يورث هذه الأمة على ضعفها ما أورث داود وابنه سايمان عليهما الصلاة والسلام على ما أعطاهما من القوة من إلانة الحديد والريح والحيوانات كلها من الجن والإنس واوحش والطير وغير ذلك، والمراد بهذا الكلام - والله أعلم - ظاهره، فإنه ابتدأ سبحانه الزبور بالأذكار والمواعظ إلى أن قال في المزمور السادس والثلاثين وهو فبل ربعه - هذا اللفظ بعينه.
بيان ذلك : المزمور الأول : طوبى للرجل الذي لا يتبع رأي المنافقين، ولم يقف في طريق الخاطئين، ولم يجلس في مجالس المستهزئين، لكن في ناموس الرب مشيئته، وفي سننه يتلوا ليلاٍ ونهاراً، فيكون كمثل الشجرة المغروسة على مجاري المياه التي تعطي ثمرتها في حينها، وورقها لا ينتثر، وكل مل يعمل يتم، ليس كذلك المنافقون، بل


الصفحة التالية
Icon