صفحة رقم ١٥٣
ولما كان ذلك شاغلاً عن الصلاة، قال :( والمقيمي الصلاة ) أي وإن حصل لهم من المشاق بأفعال الحج وغيره ما عسى أن يحصل، ولذلك عبر بالوصف دون الفعل إشارة إلى أنه لا يقيمها على الوجه المشروع مع ذلك المشاق والشواغل إلا الأراسخ في حبها، فهم - لما تمكن من حبها في قلوبهم والخوف من الغفلة عنها - كأنهم دائماً في صلاة.
ولما كان ما يحصل فيه من زيادة النفقة ربما كان مقعداً عنه، رغب فيه بقوله :( ومما رزقناهم ( فهم لكونه نعمة منا لا يبخلون به، ولأجل عظمتنا يحسنون ظن الخلف ) ينفقون ) أي يجددون بذله على الاستمرار، بالهدايا التي يغالون في أثمانها وغير ذلك، إحساناً إلى خلق الله، امتثالاً لأمره كالخبت الباذل لما يودعه تعالى فيه من الماء والمرعى.
الحج :( ٣٦ - ٣٨ ) والبدن جعلناها لكم.....
) وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَآفَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنْهَا وَأَطْعِمُواْ الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلاَ دِمَآؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ( ( )
ولما قدم سبحانه الحث على التقرب بالأنعام كلها، وكانت الإبل أعظمها خلقاً، وأجلها في أنفسهم أمراً، خصها بالذكر في سياق تكون فيه مذكورة مرتين معبراً بالاسم الدال على عظمتها، أو أنه خصها لأنه خص العرب بها دون الأمم الماضية، فقال عاطفاً على قوله ) جعلنا منسكاً ( أو يكون التقدير والله أعلم : فأشركناكم مع الأمم الماضية في البقر والغنم ) والبدن ) أي الإبل أي المعروفة بعظم الأبدان - ) جعلناها ) أي بعظمتنا، وزاد في التذكير بالعظمة بذكر الاسم العلم فقال :( لكم من شعائر الله ) أي أعلام دين الملك الأعظم ومناسكه التي شرعها لكم وشرع فيها الإشعار، وهو أن يطعن بحديدة في سنامها، تمييزاً لما يكون منها هدياً عن غيره.
ولما نبه على ما فيها من النفع الديني، نبه على ما هو أعم منه فقال :( لكم فيها خير ( بالتسخير الذي هو من منافع الدنيا، والتقريب الذي هو من منافع الآخرة ؛ روى الترميذي وحسنه وابن ماجة عن عائشة رضي الله عنها أن النبي ( ﷺ ) قال :( ما عمل ابن آدم يوم النحر عملاً أحب إلى الله من هراقة الدمن وإنه ليؤتى يوم القيامة بقرونها وأظلافها


الصفحة التالية
Icon