صفحة رقم ١٨٠
إبراهيم عليه السلام ) سماكم المسلمين ( في الأزمان المتقدمة ) من قبل ) أي قبل إنزال هذا القرآن، فنوّه بذكركم والثناء عليكم في سالف الدهر وقديم الزمان فكتب ثناءه في كتب الأنبياء يتلى على الأحبار والرهبان، وسماكم أيضاً مسلمين ) وفي هذا ( الكتاب الذي أنزل عليكم من بعد إنزال تلك الكتب كما أخبرتكم عن دعوته في قوله
٧٧ ( ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( ) ٧
[ البقرة : ١٢٨ ] لأنه بانتفاء الحرج يطابق الاسم المسمى، ويجوز - ولعله أحسن - أن يكون ) هو سمّاكم ( تعليلاً للأمر بحق الجهاد بعد تعليله بقوله ) هو اجتباكم ( فيكون الضمير لله تعالى، وييشهد له بالحسن قراءة أبي رضي الله عنه بالجلالة عوضاً عن الضميرن أي أن كل أمة تسمت باسم من تلقاء نفسها، والله تعالى خصكم باسم الإسلام مشتقاً له من اسمه
٧٧ ( ) السلام ( ) ٧
[ الحشر : ٣ ] مع ما خصكم به من اسم الإيمان استقاقاً له من اسمه المؤمن، فأثبت لكم هذا الاسم في كتبه، واجتباكم لاتباع رسوله.
ولما كان الاسم إذا كان ناشئاً عن الله تعالى سواء كان بواسطة نبي من أنبيائه أو بغير واسطة يكن مخبراً عن كيان المسمى، وكان التقديرك رفع عنكم الحرج وسماكم بالإسلام لتكونوا اشد الأمم انقياداً لتكونوا خيرهم، علل هذا المعنى بقوله :( ليكون الرسول ( يوم القيامة ) شهيداً عليكم ( لأنه خيركم، والشهيد يكون خيراً ولكون السياق لإثبات مطلق وصف الإسلام فقط، لم يقتض الحال تقديم الظرف بخلاف آية البقرة، فإنها لإثبات ما هو أخص منه ) وتكونوا ( بما في جبلاتكم من الخير ) شهداء على الناس ( بأن رسلهم بلغتهم رسالات ربهم، لأنكم قدرتم الرسل حق قدرهم، ولم تفرقوا بين أحد منهم، وعلمتم أخبارهم من كتابكم على لسان رسولكم ( ﷺ )، فبذلك كله صرتم خيرهم، فأهلتم للشهادة وصحت شهادتكم وقبلكم الحكم العدل، وقد دل هذا على أن الشهادة غير المسلم ليست مقبولة.
ولما ندبهم لأن يكونوا خير الناس، تسبب عنه قوله :( فأقيموا ) أي فتسبب عن إنعامي عليكم بهذه النعم وإقامتي لكم في هذا المقام الشريف أني أقول لكم : قيموا ) الصلاة ( التي هي زكاة قلوبكم، وصلة ما بينكم وبين ربكم ) وآتوا الزكاة ( التي هي طهرة ابدانكم، وصلة ما بينكم وبين إخوانكم ) واعتصموا بالله ) أي المحيط بجميع صفات الكمال.
في جميع ما أمركم به، من المناسك التي تقدمت وغيرها لتكونوا متقين، فيذب عنكم من يريد أن يحول بينكم وبين شيء منها ويقيكم هول الساعة ؛ ثم علل أهليته لاعتصامهم به بقوله :( هو ) أي وحده ) مولاكم ) أي المتولي لجميع أموركم، فهو ينصركم على كل من يعاديكم، بحيث تتمكنون من إظهار هذا الدين من