صفحة رقم ١٩٢
أبا العباس أحمد ابن القاص من قدماء أصحاب الشافعي حكى في كتابه أدلة القبلة أنه يصعد إلى أعلاه في ستة الآف مرقاة وستمائة وست وستين مرقاة، قال : وهي مثل الدرج من الصخر، فإذا انتهى إلى مقدار النصف من الطريق يصير إلى مستواه من الأرض فيها أشجار وماء عذب، في هذا الموضع كنيسة على اسم إيليا النبي عليه السلام، وفيه مغار، ويقال : إن إيليا عليه السلام لما هرب من إزقيل الملك اختفى فيه ؛ ثم يصعد من هذا الموضع في الدرج حتى ينتهي غلى قلة الجبل، وفي قلبه كنيسة بنيت على اسم موسى عليه السلام بأساطين رخام، أبوابها من الصفر والحديد، وسقفها من خشب الصنوبر، وأعلى سقوفها أطباق رصاص قد أحكمت بغاية الإحكام، وليس فيها إلا رجل راهب يصلي ويدخن ويسرج قناديلها، ولا يمكن أحداً أن ينام فيها البتة، وقد اتخذ هذا الراهب لنفسه خارجاً من الكنيسة بيتاً صغيراً يأوي فيه، وهذه الكنيسة بنيت في المكان الذي كلم الله فيه موسى عليه الصلاة والسلام، وحواليه - أي حوالي الجبل - من أسفله ستة آلاف مل بين دير وصومعة للرهبان والمتعبدين، كان يحمل إليهم خراج مصر في أيام ملك الروم للنفقة على الديارات وغيرها، وليس اليوم بها إلا مقدار سبعين راهباً يأوون في الدير الذي داخل الحصن، وفي اكثرها يأوي أعراب بني رمادة، وعلى الجبل مائة صومعة، وأشجار هذا الجبل اللوز والسرو، وإذا هبطت من الطور أشرفت على عقبة تهبط منها فتسير خطوات فتنتهي إلى دير النصراني : حُصين عليه سورة من حجارة منحوتة ذات شرف عليه بابان من حديد، وفي جوف هذا الدير هو الموضع الذي رأى موسى عليه السلام فيه النار في الشجرة العليق، وقبله من بها دبر الكعبة، وفيه يقول القائل :
عجب الطور من ثباتك موسى حين ناجاك بالكلام الجليل
والطور من جملة كور مصر، منه إلى بلد قلزم على البر مسيرة أربعة أيام، ومنه إلى فسطاط مصر مسيرة سبعة أيام - انتهى كلام ابن القاص، وسألت أنا من له خبرة بالجبل المذكور : هل به أشجار الزيتون ؟ فأخبرني أنه لم ير به شيئاً منها، وإنما رآها فيما حوله في قرار الأرض، وهي كثيرة وزيتونها مع كبره أطيب من غيره، فإن كان ذلك كذلك فهو أغرب مما لو كانت به، لأنه لعلوه أبرد مما سفل من الأرض، فهو بها أولى، وظهر لي - والله أعلم - أن حكمه تقدير الله تعالى أن يكون عدد الدرج ما ذكر موافقة زمان الإيجاد الأول لمكان البقاء الول، وذلك أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام وهو الإيجاد الأول، وكلم موسى عليه الصلاة والسلام، وكتب له


الصفحة التالية
Icon