صفحة رقم ٢٠٨
مجتمعاً متصلاً ) بينهم ( فكانوا شيعاً، وهو معنى ) زبراً ) أي قطعاً، كل قطعة منها في غاية القوة والاجتماع والثبات على ما صارت إليه من الهوى والضلال، بكل شيعة طريقة في الضلال عن الطريق الأمم، والمقصد المستقيم، وكتاب زبروه في أهويتهم ولم يرحموا أنفسهم بما دعتهم إليه الهداة من الاجتماع والألفة فأهلكوها بالبغضاء والفرقة، وهو منصوب بأنه مفعول ثان لتقطع على ما مضى تخريجه في الأنبياء، وقد ظهر كما ترى ظهوراً بيناً أن هذه غشارة إلى الناجين من أمة كل نبي بعد إهلاك أعدائهمن اي أن هذه الجماعة الذين أنجيتهم معكم أمتكم، حال كونهم أمة واحدة متفقين في الدين، لا خلاف بينهم، وكما أن جماعتكم واحدة فإنا ربكم لا رب لكم غيري فاتقون ولا يخالف أحد منكم أمري ولا تختلفوا لئلا أعذب العاصي منكم كما عذبت أعداءكم.
ولما كان هذا مما لا يرضاه عاقل، أجيب من كأنه قال : هل رضوا بذلك مع انكشاف ضرره ؟ بقوله :( كل حزب ) أي فرقة ) بما لديهم ) أي من ضلال وهدى ) فرحون ) أي مسرورن فضلاً عن أنهم راضون غير معرج الضال منهم على ما جاءت به الرسل من الهدى، ولا على الاعتبار بما اتفق لأممهم بسبب تكذيبهم من الردى.
ولما أنتج هذا الضلال وإن وضح لا يكشفه إلا ذو الجلال، سبب عنه سبحانه قوله تسلية لرسوله ( ﷺ ) :( فذرهم ( اي اتركهم على شر حالاتهم ) في غمرتهم ) أي الضلاله التي غرقوا فيها ) حتى حين ) أي إلى وقت ضربناه لهم من قبل أن نخلقهم ونحن عالمون بكل ما يصدر منهم على أنه وقت يسير.
ولما كان الموجب لغرورهم ظنهم أن حالهم - في بسط الأرزاق من الأموال والأولاد - حال الموعود لا المتوعد، أنكر ذلك عليهم تنبيهاً لمن سبقت له السعادة، وكتبت له الحسنى وزيادة، فقال :( أيحسبون ) أي لضعف عقولهم ) أنما ) أي الذين ) نمدهم ( على عظمتنا ) به ) أي نجعله مدداً لهم ) من مال ( نسيره لهم ) وبنين ( نمتعهم بهم، ثم أخبر عن ( أن ) بدليل قراءة السلمي بالياء التحتية فقال :( نسارع لهم ) أي به بإدرارنا له عليهم في سرعة من يباري آخر ) في الخيرات ( التي لا خيرات غلا هي لأنها محمودة العاقبة، ليس كذلك بل هو وبال عليهم لأ، ه استدراج إلى الهلاك لأنهم غير عاملين بما يرضي الرحمن ) بل ( هم يسارعون في أسباب الشرور، ولا يكون عن السبب إلا مسببه، ولكنهم كالبهائم ) لا يشعرون ( أنهم في غاية البعد عن الخيرات
٧٧ ( ) سنستدرجهم من حيث لا يعلمون ( ) ٧
[ القلم : ٤٤ ].