صفحة رقم ٢٢٧
يكون معطوفاً على مقدر نحو : أحسبتم أنا نهملكم فلا ننصف مظلومكم من ظالمكم، فحسبتم ) أنما خلقناكم ) أي على ما لنا من العظمة ) عبثاً ) أي عابثين أو للعبث منا أو منكم، لا لحكمة إظهار العدل والفضل، حتى اشغلتم بظلم أنفسكم وغيركم ؛ قال أبو حيان : والعبث : اللب الخالي عن فائدة.
) وأنكم ) أي وحسبتم أنكم ) إلينا ) أي خاصة ) لا ترجعون ( بوجه من الوجوه لإظهار القدرة والعظمة في الفصل، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره وأبو يعلى الموصلي في الجزء الرابع والعشرين من مسنده والبغوي في تفسيره عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رقى رجلاً مصاباً بهذه الآية إلى آخر السورة في أذنيه فبرأ فقال رسول الله ( ﷺ ) :( والذي نفسي بيده لو أن رجلاً موقناً قرأ بها على جبل لزال ) وفي سندهما ابن لهيعة.
قال ابن كثير : وروى أبو نعيم عن محمد ابن إبراهيم بن الحارث عن أبيه رضي الله عنه، قال : بعثنا رسول الله ( ﷺ ) في سرية وأمرنا أن نقول إذا أمسينا وأصبحنا ) أفحسبتم ( - الآية، قال : فقرأناها فغنمنا وسلمنا.
ولما كان التقدير : ليس الأمر كما حسبتم، علل ذلك بقوله :( فتعالى الله ) أي علا الذي له الجلال والجمال علواً كبيراً عن البعث ؛ ثم وصفه بما ينافي العبث فقال :( الملك ) أي المحيط بأهل مملكته علماً وقدرة وسياسة، وحفظاً ورعاية.
ولما كان بعض ملوك الدنيا قد يفعل ما ينافي شيم الملوك من البعث بما فيه من الباطل، أتبع ذلك بصفة تنزهه عنه فقال :( الحق ) أي الذي لا تطرق للباطل إليه في شيء من ذاته ولا صفاته، فلا زوال له ولا لملكه فأنّى يأتيه العبث.
ولما كان الحق من حيث هو قد يكون له ثان.
نفى ذلك في حقه تعالى بقوله :( لا إله إلا هو ( فلا يوجد له نظير أصلاً في ذات ولا صفة، ومن يكون كذلك يكون حائزاً لجميع أوصاف الكمال، وخلال الجلال والجمال، متعالياً عن سمات النقص، والعبث من أدنى صفات النقص، لخلوه عن الحكمة التي هي أساس الكمال ؛ ثم زاد في التعيين والتأكيد للتفرد بوصفه بصفة لا يدعيها غيره فقال :( رب العرش ) أي السرير المحيط بجميع الكائنات، العالي عليها علواً لا يدانيه شيء ؛ ثم وصف العرش لنه في سياق الحكم بالعدل والتنزه عن العبث بخلاف سياق براءة والنمل فإنه للقهر والجبروت بقوله :( الكريم ( اي الذي تنزل منه الخيرات الحاصلة للعباد، مع شرف جوهره،


الصفحة التالية
Icon