صفحة رقم ٢٣١
ونسق عليها مما ليس من الحكم المذكور فلاستجرار الآي إياه واستدعائه، ومظنه استيفاء ذلك وبيان ارتباطه التفسير، وليس من شرطنا هنا - والله سبحانه وتعالى يوفقنا لفهم كتابه - انتهى.
ولما كان مبنى هذه الدار على الأنساب في التوارث والإمامة والنكاح وغير ذلك، ومبنى تلك الدار على العمال لقوله تعالى
٧٧ ( ) فلا أنساب بينهم يومئذ ( ) ٧
[ المؤمنون : ١٠١ ] وكان قد حث في آخر تلك على الستر والرحمة، حذر رحمة منه في أول هذه من لبس الأنساب، وكسب الأعراض وقطع الأسباب، معلماً أن الستر والرقة ليسا على عمومهما، بل على ما يحده سبحانه، فقال مخاطباً للأئمة ومن يقيمونه :( الزانية ( وهي من فعلت الزنى، وهو إيلاج فرج في فرج مشتهى طبعاً محرم شرعاً، وقدمها لأن أثر الزنى يبدو عليها من الحبل وزوال البكارة، ولنها أصل الفتنة بهتك ماأمرت به من حجاب التستر والتصون والتحذر ) والزاني (.
ولما كان ( ال ) بمعنى الاسم الموصول، أدخل الفاء في الخبر فقال :( فاجلدوا ) أي فاضربوا وإن كان أصله ضرب الجلد بالسوط الذي هو جلد ) كل واحد منهما ( إذا لم يكن محصناً، بل كان مكلفاً بكراً - بما بينته السنة الشريفة ) مائة جلدة ( فبدأ بحد الزنى المشار إليه أول تلك بقوله تعالى
٧٧ ( ) فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون ( ) ٧
[ المؤمنون : ٧ ] وفي التعبير بلفظ الجلد إشارة غلى أنه يكون مبرحاً بحيث يتجاوز الألم إلى اللحم.
ولما كان هذا ظاهراً في ترك الشفقة عليهما، صرح به لأن من شأن كل من يجوز على نفسه الوقوع في مثل ذلك أن يرحمهما فقال :( ولا تأخذكم ) أي على حال من الأحوال ) بهما رأفة ) أي لين، ولعله عبر بها إعلاماً بأنه لم ينه عن مطلق الرحمة، لأن الرأفة اشد الرحمة أو أرقها وتكون عن اسباب من المرؤوف به، وكذا قوله :( في دين الله ) أي الذي شرعه لكم الملك المحيط بصفات الكمال - إشارة إلى أن الممنوع منه رحمة تؤدي إلى ترك الحد أو شيء منه أو التهاون به أو الرضى عن منتهكه لا رقة القلب المطبوع عليها البشر كما يحكى عن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه بكى يوم فتحت قبرص وضربت رقاب ناس من أسراها فقيل له : هذا يوم سرور، فقال : هو كذلك، ولكني أبكي رحمة لهؤلاء العباد الذين عصوا الله فخذلهم وأمكن منهم.
ولما علم سبحانه ما طبع عليه عباده من رحمة بعضهم لبعض فحث على هذا الحكم بالأمر والنهي، زاد في التهييج غليه والخص عليه بقوله :( إن كنتم ) أي بما هو كالجبلة التي لا تنفك ) تؤمنون بالله ) أي الملك الأعظم الذي هو أرحم الراحمين، فما


الصفحة التالية
Icon