صفحة رقم ٢٣٦
عُصْبَةٌ مِّنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) ٧٣
( ) ٧١
ولما نفر سبحانه من نكاح من اتصف بالزنى من رجل أو امرأة، وبدأ - لأن نكاح المرأة للزاني مظنة لزناها - بتنفير الإناث بما يوهم جواز إطلاق الزنى أيضاً لأن زناها أكبر شراً، من علم زناه، وذلك بعد أن ابتدأ في حد الزنى بالأنثى أيضاً لأن زناها أكبر شراً، وأعظم فضيحة وضراً، عطف على ذلك تحريم القذف بما يوجب تعظيم الرغبة في الستر وصيانة الأعراض وإخفاء الفواحش، فقال ذاكراً الجمع لأن الحكم بإقامة الحد عليه يفهم إقامة الحد على الواحد من باب الأولى ولا إيهام فيه لأن الجمع إذا قوبل بالجمع أفهم التوزيع :( والذين يرمون ) أي بالزنى ) المحصنات ( جمع محصنة، وهي هنا المسلمة الحرة المكلفة العفيفة، والمراد القذف بالزنى بما أرشد إليه السياق سابقاً ولاحقاً، ذكوراً كان الرامون أو إناثاً بما أفهمه الموصول، وخص الإناث وإن كان الحكم عاماً للرجال تنبيهاً على عظيم حق أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها، ولأن الكلام في حقهن اشنع.
ولما كان إقدام المجترىء على القذف مع ما شرطه فيه لدرء الحد إرادة الستر - بعيداً، أشار إليه بأداة التراخي فقال :( ثم لم يأتوا ) أي إلى الحاكم ) بأربعة شهداء ( ذكور ) فاجلدوهم ( أيها المؤمنون من الأئمة ونوابهم ) ثمانين جلدة ( لكل واحد منهم، لكل محصنة، إن لم يكن القاذف اصلاً، إن كانوا أحراراً، وحد العبد نصف ذلك لآية النساء
٧٧ ( ) فعليهن نصف ما على المحصنات من ا لعذاب ( ) ٧
[ النساء : ٢٥ ] فهذه الآية مخصصة بتلك إذ لا فرق بين الذكر والأنثى ولا بين حد الزنى وحد القذف ) ولا تقبلوا لهم ) أي بعد قذفهم على هذا الوجه ) شهادة ) أي شهادة كانت ) أبداً ( للحكم بافترائهم، ومن ثبت افتراؤه سقط الوثوق بكلامه.
ولما كان التقدير : فإنهم قد افتروا، عطف عليه تحذيراً من الإقدام عن غير تثبيت :( وأولئك ) أي الذين تقدم ذمهم بالقذف فسفلت رتبتهم جداً ) هم الفاسقون ) أي المحكوم بفسقهم الثابت لهم هذا الوصف وإن كان القاذف منهم محقاً في نفس الأمر.
ولما كان من أصل الشافعي رحمه الله أن الاستثناء المتعقب للجمل المتواصلة المتعاطفة بالواو عائد إلى جميع سواء كانت من جنس أو أكثر إلا إذا منعت قرينة، أعاد الاستثناء هنا إلى الفسق ورد الشهادة دون الحكم بالجلد، لأن من تمام التوبة الاستسلام للحد والاستحلال منه، ولقرينة كونه حق آدمي وهو لا يسقط بالتوبة، في قوله تعالى :( إلا الذين تابوا ) أي رجعوا عما وقعوا فيه من القذف وغيره وندموا عليه وعزموا على