صفحة رقم ٢٤٠
للخلص وخصوصاً النبي ( ﷺ ) وأبو بكر وعائشة وأمها وصفوان بن المعطل رضي الله عنهم :( لا تحسبوه ) أي الإفك ) شراً لكم ( أيها المؤمنون بأن يصدقه أحد أو تنشأ عنه فتنة ) بل هو خير لكم ( بثبوت البراءة الموجبة للفخر الذي لا يلحق، بتلاوتها على مر الدهور بألسنة من لا يحصى من العباد، في أكثر البلاد، وتسلية الرسول ( ﷺ ) والصديقين بذلك، مع الثواب الجزيل، بالصبر على مرارة هذا القيل، وثبوت إعجاز القرآن بعد أعجازه بالبلاغة بصدقه في صيانة من أثنى عليها في ذلك الدهر الطويل، الذي عاشته مع رسول الله ( ﷺ ) وبعده غلىأن ماتت رضي الله تعالى عنها أتقى الناس ديانة، وأظهرهم صيانة، وأنقاهم عرضاً، وأطهرهم نفساً، فهو لسان صدق في الدنيا، ورفعة منازل في الآخرة إلى غير ذلك من الحكم، التي رتبها بارىء النسم، من الفوائد الدينية والأحكام والآداب.
ولما كان لا شفاء لغيظ الإنسان أعظم من انتصار الملك الديان له، علل ذلك بقوله :( لكل امرىء منهم ) أي الآفكين ) ما ) أي جزاء ما ) اكتسب ( بخوضه فيه ) من الإثم ( الموجب لشقائه، وصيغة الافتعال من ( كسب ) تستعمل في الذنب إشارة غلى أن الإثم يرتب على ما حصل فيه تصميم وعزم قوي صدفقه العمل بما فيه من الجد والنشاط، وتجرد في الخير إشارة إبى أن الثواب يكتب بمجرد فعل الخير بل ونيته ) والذي تولى كبره ) أي معظمه بإشاعته والمجاهرة به ) منهم له ( بما يخصه لإمعانه في الأذى ) عذاب عظيم ) أي أعظم من عذاب الباقين، لأنهم لم يقولوا شيئاً إلا كان عليه مثل وزره من غير أن ينقص من أوزارهنم شيئاَ، وقصه الإفك معروفة في الصحيح والسنن وغيرها شهيرة جداً، وذلك أن النبي ( ﷺ ) غزا بني المصطلق بعد ما أنزلت آية الحجاب، وكانت معه الصديقة بنت الصديق زوجته أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها تحمل هودج لها، فافتقدت عقداً لها ليلة فرجعت إلى الموضع الذي تخلت فيه فالتمسته، فرحل النبي ( ﷺ ) وحمل جمالوها هودجها وهم يظنونها فيه، فلما رجعت فلم تجد أحداً اضطجعت مكان هودجها رجاء أن يعلموا بها فيرجعوا، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني رضي الله عنه قد عرس من وراء الجيش، فأصبح في مكانهم، فلما رآها وكان يراها قبل الحجاب استرجع وأناخ راحلته فوطىء على يدها، ولم يتكلم بكلمة غير استرجاعه، فركبت أم المؤمنين رضي الله عنها، ثم أقبل بها حتى لحق بالجيش وهم نزول في نصف النهار، فتكلم أهل الإفك فيهما رضي الله عنهما، وكان من سمي منهم عبد الله بن أبي المنافق، وزيد بن رفاعة، ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش وحسان بن ثابت، قال عروة بن الزبير : في ناس آخرين لا علم لي بهم غير