صفحة رقم ٢٤٧
) والمنكر ( وهو ما لم يجوزه الشرع، فهو أولاً يقصد أعلى الضلال، فإن لم يصل تنزل إلى أدناه، وربما درج بغير ذلك، ومن المعلوم أن من اتبع من هذا سبيله عمل بعمله، فصار في غاية السفول، وهذا أشد في التنفير من إعادة الضمير في ) فإنه على من ( والله الموفق.
ولما كان التقدير : فلولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان مع أمره بالقبائح، عطف عليه قوله :( ولولا فضل الله ) أي ذي الجلال والإكرام ) عليكم ( اي بتطهير نفوسكم ورفعها عما تعشقه من الدنايا إلى المعالي ) ورحمته ( لكم بإكرامكم ورفعتكم بشرع التوبة المكفرة لما جرّ إليه الجهل من ناقص الأقوال وسفاف الأفعال ) ما زكى ) أي طهر ونما ) منكم ( وأكد الاستغراق بقوله :( من أحد ( وعم الزمان بقوله :( أبداً وكن الله ( اي بجلاله وكماله ) يزكي ( اي يطهر وينمي ) من يشاء ( من عباده، من جميع أدناس نفسه وأمراض قلبه، وإن كان العباد وأخلاقهم في الانتشار والكثرة بحيث لا يحصيهم غيره، فلذلك زكى منكم من شاء فصانه عن هذا الإفك، وخذل من شاء.
ثم ختم الآية بما لا تصح التزكية بدونه فقال :( والله ( اي الذي له جميع صفات الكمال ) سميع ( اي لجميع أقولهم ) عليم ( بكل ما يخطر في بالهم، وينشأ عن أحوالهم وأفعالهم، فهو خبير بمن هو أهل للتزكية ومن ليس بأهل لها، فاشكروا الله على تزكيته لكم من الخوض في مثل ما خاض فيه غيركم ممن خذله نوعاً من الخذلان، واصبروا على ذلك منهم، ولا تقطعوا إحسانكم عنهم، فإن ذلك يكون زيادة في زكاتكم، وسبباً لإقبال من علم فيه الخير منهم، فقبلت توبته، وغسلت حوبته، وهذا المراد من قوله :( ولا يأتل ) أي يحلف مبالغاً في اليمين ) أولو الفضل منكم ( الذين جعلتهم بما آتيتهم من العلم والأخلاق الصالحة أهلاً لبر غيرهم ) والسعة ) أي بما أوسعت عليهم في دنياهم.
ولما كان السياق والسباق واللحاق موضحاً للمراد، لم يحتج إلى ذكره أداة النفي فقال :( أن يؤتوا ( ثم ذكر الصفات المقتضية للإحسان فقال :( أولي القربى ( وعددها بأداة العطف تكثيراً لها وتعظيماُ لأمرها، وإشارة إلى أن صفة منها كافية في الإحسان، فكيف إذا اجتمعت فقال سبحانه :( والمساكين ) أي الذين لا يجدون ما يغنيهم وإن لم تكن لهم قرابة ) والمهاجرين ( لأهلهم وديارهم وأموالهم ) في سبيل الله ) أي الذي عم الخلائق بجوده لما له من الإحاطة بالجلال والإكرام وإن انتفى عنهم الوصفان الأولان، فإن هذه الصفات مؤذنة بأنهم ممن زكى الله، وتعدادها بجعلها علة للعفو - دليل على أن


الصفحة التالية
Icon